حيدر عودة/كاليفورنيا
في ظل جائحة كورونا التي يشهدها العالم منذ بداية العام الحالي، يبدو أن كل فعل يقوم به الإنسان بمثابة مجازفة محفوفة بخطر المرض وشبح الموت.
وهو شعور جماعي يؤطر صورة العالم في واحدة من أسوأ مظاهره بعد مشاهد الحروب والوباءات التي مرّت بها البشرية. وسواء أكانوا بعيدين عن مراكز الوباء أم كانوا قريبين، إن مجرد فكرة” كوننا نعيش في عالم متداعٍ وهش وبلا مناعة حقيقية أو ضعيفة في أفضل الأحيان” كفيلة بأن تحبط أي إرادة للعمل والتواصل بشكل طبيعي. إذ يبدو المشهد الآن كمن يعبر من عالم قديم إلى آخر مجهول، تطاردنا فيه ذكريات عالمنا القديم- فيما لو تمت مساعي صنع لقاح المناعة قريباً، وإلى ذلك الحين فإن البشرية الآن تقف على ساق ضعيفة واحدة .
في ظل التباعد المكاني والحجر المجتمعي للإنسان، يبدو الفنان مثل من يرمي بنرد الفن الأخير كواحد من منابع الإرادة والقوة من أجل مناعة غير مرئية يحتاجها الإنسان بشكل واضح، ألا وهي: الشجاعة، والروح المؤمنة بقوة الحياة. تلك الصورة تجسدت في معرض”فوتو-رقمي” للفنان العراقي المقيم في كندا “قحطان الأمين” حمل عنوانا: (الراحة في الفوضى) الذي يعرض الآن على قاعة “رسوم” – وهي تجربة تحسب لصاحب القاعة “عبدلله الغول” في مدينة تورنتو الكندية، من خلال منصته على النت، وهو ما أتاح لعدد كبير من الزوار أن يشاهدوه في واحدة من مستحدثات العرض والمشاهدة في ظل الجائحة. تركزت فكرة المعرض حول ما يعصف بالإنسان من مشاعر الريبة والقلق والخوف من المجهول، وسؤال الوجود أو نهايته؟ فالفنان هو ذاته الموضوع والفكرة الفنية في المعرض معا، وقد وجد نفسه واقعاً ما بين عالمين يندفعان باتجاهين متعاكسين، واحد يسير ببطء نحو النهاية وآخر ينتظر صفارة البدء- كأن البدء سيكون من النهاية نحو البداية-، فعالمنا الذي نعرف يتداعى الآن بسبب نقص المناعة، وتتداعى معه أوهام القوة في مجالات الصحة والتفكير والحلول، الأمر الذي كشف الغطاء عن حقيقة من يتحكم بمصائرنا ومستقبلنا ووجودنا، وحقيقة أوجه الصراع العالمي. ربما من هنا وجد الفنان “الأمين” في معرضه أن الشعور “بالراحة” -كمعادل لفكرة الخلاص الروحي والجسدي معا- يكمن في “الفوضى” وهي كما أفهم معادلا للفن؛ باعتبار أن في روح الفن ثمة فوضى غير مرئية أو هكذا تبدو في الكثير من تجلياته.
قدم “قحطان” مجموعتين من الأعمال في معرضه هذا، المجموعة الأولى كانت لقطات “الديجتال” داخلية يتمثل فيها الفنان نفسه كواحد من متضرري الوباء بشكل أساسي، مضافة إليها مشاعر القلق والخوف من الإصابة أثناء العمل مع مفردات اللقة من خلال عملية اللمس. أما المجموعة الفوتوغرافية فقد صورت في الخارج، قريبة من الطبيعة، وهي كما أرى ترجمة لمشاعر الإنسان كمرحلة تلت بعض الإنفراج أثناء تطور حالات العزل المجتمعي، وحاجته للأوكسجين النقي، كواحد من أهم ما يفقده المصاب ويحتاجه بقوة. من جانب آخر لم تكن تلك اللقطات بعيدة عن فكرة “الفوضى” في تكوينات الأشياء والأشخاص في العمل، كأنهم يبحثون عن “الراحة” أو الخلاص. فيما كان وجود الفنان “الأمين” في أكثر الأعمال دلالة على إنه- كإنسان- هو محور العمل والوباء في آن واحد ، سواء في “الفوتوغراف” أو في “فوتو-رقمي” أو الديجتال.
ثمة علامات وإشارة تمحورت حولها فكرة صراع الإنسان مع فايروس كورونا- كصراع غير متكافىء وغير مرئي أيضاً- فقد سعى الفنان للإشارة إلى أطراف هذا الصراع، الذي يجري بشكل خفي تحتنا وفوقنا، كما إشارته للافة “الكوكا كولا” في إشارة لأميركا ربما، وقنينة “الصوص” المستعمل في المطاعم الآسيوية، حيث ظهر الفايروس للمرة الأولى. لكن ذلك لم يمنع من وجود إشارات أخرى غير مؤكدة لصراعات أخرى ونوازع خفية أثارها الوباء ونفض عنها الغبار. فحقيقة أننا ضعفاء الأبدان والروح باتت واضحة وحقيقية، وعلى الإنسان مواجهتها والبحث عن حلول والتحقق من أسبابها ومسببيها، كما في دلالة الهيكل العظمي في بعض اللقطات، ربما. وهنا لا بد من بعض الأسئلة قد يثيرها الفنان بشكل غير مباشر: هل إننا نعيش بإرادتنا حقا أم ثمة إرادات خفية أو ظاهرة توجه حياتنا كما تريد؟ هل إننا فعلا نقوم بما نريد بإرادتنا ونعيش بحرية في الوجود والعمل وفي التفكير؟ ليس ثمة أجوبة معينة أو مقنعة لهذه الأسئلة أو غيرها، سوى أننا مصرين على تجاهلها والمضي في عدم مواجهتها كواقع يومي يهز ثوابتنا المزعومة بالأمان والقوة، وأظن أن هذه واحدة من مفارقات الإنسان المعاصر وسمة تكاد تكون أصيلة لو نظرنا من حولنا الى سعة حجم الخراب والحروب والصراعات المستمرة.