يواصل استهلاك اللحوم حول العالم تصاعده الكبير، كما تواصل الانبعاثات السامة انتشارها وتأثيرها على البيئة والتغير المناخي. مؤشران لحقيقة واضحة، التحدي في مواجهة الأثر السلبي والحفاظ على توازن غذائي صحي. وعلى الرغم من أن اللحوم تعد مصدرًا مهمًا للبروتينات والفيتامينات والمعادن، فإن الاستهلاك المفرط لهذا المصدر من البروتين له تأثيرات سلبية على البيئة.
فقد أظهرت الدراسات أن كل كيلوغرام من اللحم المنتج بالطريقة التقليدية يحتاج إلى حوالى 100 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون كإنبعاثات خلال عملية الإنتاج أي ما يوازي 40 ليتر من الفيول واكثر من 20 الاف ليتر من المياه .
كذلك 60 في المئة من غازات الاحتباس الحراري الناتجة من عمليات الانتاج الغذائي سببها اللحوم، في المقابل، ارتفعت كمية إنتاج اللحوم من 70 مليون طن في عام 1960 إلى أكثر من 300 مليون طن في عام 2022، أي تضاعف أكثر من 7 مرات. ومن المتوقع أن نصل إلى 600 مليون طن في عام 2050.
وانطلاقاً من هذه الأرقام، خرجت أصوات إلى العلن داعيةً إلى البحث عن بدائل صحية أكثر صديقة للبيئة. من هنا جاءت فكرة إنتاج اللحم الصناعي المُعّد في المختبر أو اللحوم المستزرعة كبديل ثوري في مستقبل الغذاء والتقليل من تلوث البيئي.
تتضمن العواقب البيئية السلبية للاستهلاك الكبير للحوم زيادة في انبعاثات الغازات الدفيئة، وإزالة الغابات، واستهلاك المياه، والتلوث. يعتبر تربية المواشي، خصوصًا الأبقار، من أكبر المصادر لانبعاثات غاز الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة القوية.
وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، إن قطاع الثروة الحيوانية مسؤول عن حوالي 14.5 في المئة من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة على مستوى العالم، وتعد اللحوم الحمراء، مثل لحم البقر والضأن، من أكثر المنتجات التي تتطلب موارد ضخمة من العلف والمياه.
الأكثر استهلاكاً في العالم
يعد اللحم أحد أكثر الأطعمة إنتاجا واستهلاكا في العالم، وفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) بلغ حجم الإنتاج العالمي من اللحوم 365 مليون طن في عام 2023. كما أن 60 في المئة من الاستهلاك هو للحوم الحمراء (لحم الخنزير، ولحم الضأن، ولحم البقر).
في حين قُدر إنتاج العالم من لحوم البقر بـ 60.57 مليون طن متري عام 2020، حيث أنتجت الولايات المتحدة الأميركية وحدها ما يقارب 12.38 مليون طن متري من لحوم البقر في ذلك العام.
ولكن المثير للقلق أن إنتاج اللحوم الحمراء، وخاصة لحوم البقر، يُنتج انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أكثر بكثير مقارنة بإنتاج اللحوم البيضاء.
إذ تطلق الحيوانات المجترة، مثل الأبقار، غاز الميثان عبر عملية تخمر الهضم التي تحدث في معدتها، وهو غاز ذو تأثير كبير على الاحتباس الحراري مقارنةً بثاني أكسيد الكربون. يشير الباحثون إلى أن الحد من استهلاك اللحوم الحمراء أو استبدالها بمصادر بروتين نباتية أو لحوم بيضاء يمكن أن يقلل من البصمة الكربونية للنظام الغذائي ويسهم في الحفاظ على البيئة.
كذلك تساهم قطعان الماشية بمقدار 5.5 في المئة من الغازات الدفيئة وتساهم الأبقار تحديداً بحوالى 70 في المئة من تلك النسبة.
فكيف يمكن التخفيف من التأثير السلبي لاستهلاك اللحوم؟
يعتبر البروفيسور والباحث في علوم الغذاء في الجامعة اللبنانية الأميركية حسين حسن أن فكرة اللحوم الصناعية هي واعدة للتخفيف من التأثير السلبي لإنتاج اللحم بالطرق التقليدية. وعن كيفية تصنيعها، يشرح قائلاً “نعمل للحصول على الخلايا الجذعية من العضل الحيواني ويتم وضعها في مفاعل حيوية في المختبر ويُضاف عليها الأوكسجين والمغذيات مثل الجلوكوز والأحماض الأمينية والملح والفيتامينات من أجل تكاثر هذه الخلايا للحصول على لحم شبيه للحم الحيواني.
وعليه، يمكن من خلال إنتاج اللحم الصناعي التحكم بنسبة الدهون التي ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالأمراض الصحية كأمراض القلب والسكري والكولسترول…
تواصل الشركات اختباراتها منخرطة في عالم التكنولوجيا لتطوير أطعمة غذائية تُحاكي صحة الإنسان والبيئة على حدّ سواء. شرائح لحم مصنوعة مخبرياً لها الملمس والمذاق اللحم الطبيعي، ولكن هل تحتوي على كل المغذيات والمعادن الأساسية؟
يوضح حسن أن اللحوم المصنعة مخبرياً هي لحوم غير طبيعية نقوم بتصنيعها داخل المختبر، وبالتالي يمكن التحكم بمكوناتها وحتى التحسين من قيمتها الغذائية التي تساعد في تعزيز الصحة العامة.
ولنفهم أكثر عن كيفية تصنيعها، يجب أن نعرف أن هذه اللحوم المصنعة مخبرياً هي عبارة عن خلايا سُحبت من جسد الحيوان من دون الحاجة إلى ذبحه، ومن ثم وُضعت داخل المفاعل الحيوية ضمن شروط معينة بهدف تكاثرها كما يحصل عادة في جسم الحيوان. وذلك يعني أن عملية نموها في المختبر تُحاكي عملية نموها الطبيعية”.
أزمة الاستدامة البيئية
وجاءت فكرة انتاج اللحم المصنوع مخبرياً بعد التحديات التي يواجهها العالم في كيفية تأمين كمية البروتين الحيواني لكل سكان العالم والبحث عن مصادر بديلة حيوانية.
ويشير حسن إلى أن “المشكلة الأخرى التي نواجهها هي الاستدامة البيئية في انتاج اللحوم بالطريقة الطبيعية، إذ نحتاج لكل كيلوغرام من لحم البقر إلى 20 ألف ليتر من المياه، ويكمن الخوف من أن الاستمرار في الانتاج الحيواني بهذه الطريقة سيؤدي إلى نفاذ كل الموارد الطبيعية”.
ومع ذلك لا يُخفي حسن أن الخوف الأساسي يتمثل في المكونات المعدلة جينياً لأن بعض المختبرات التي تقوم بإنتاج هذه اللحوم المصنعة تتعمد إلى إجراء تعديلات جينية على الخلايا بهدف تسريع عملية النمو. ولكن حتى الآن لم تؤكد الدراسات ما إذا كان تغيير عملية التعديل الجيني يؤدي غلى ظهور مواد غير حميدة، لذلك نحن بحاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات حول هذا الموضوع للتأكد من عدم وجود أي نتائج عكسية أو غير مرغوب بها.