ماجد عزام
منذ انتهاء فترته الرئاسية الأخيرة، حرص الرئيس السابق عبد الله غول على الابتعاد عن الأضواء وممارسة حياته الشخصية العائلية والإنسانية بهدوء، وبعيداً عن الأضواء، مع الإعلان كل فترة أو في المحطات الصعبة عن مواقفه، كما حصل أثناء الانقلاب مثلاً، أو الظهور لمجاملة بعض رفاقه الأحياء في مناسباتهم الاجتماعية السعيدة، أو حتى الحزينة في وداع الراحلين منهم.
إلا أن غول تجاوز ذلك في الأيام الماضية، مع إعلان موقف من مرسوم حكومي يهدف إلى تقديم الحصانة لبعض المواطنين ممن تصدوا للعسكريين الانقلابيين ليلة 15 تموز/ يوليو 2016، حيث اعتبر أن المرسوم ملتبس وغامض، ما أثار غضب الرئيس أردوغان؛ الذي ردّ بشكل غير مباشر، غامزاً من قناة من يختفون في المحن والشدائد ويظهرون الآن فقط.
احتفظ غول طوال الوقت بآرائه لنفسه، رغم تحفظه أو معارضته لعدد من السياسات الداخلية، وتحديداً فيما يتعلق بالتحوّل إلى النظام الرئاسي، كما الخارجية أيضاً، وتحديداً فيما يخص العلاقة مع النظام المصري الحالي
غضب الرئيس أردوغان يعود في جانب منه إلى أنها المرة الأولى التي يجاهر بها الرئيس غول علانية بمعارضته للحكومة، أو بعض سياساتها وقوانينها، خاصة مع الاحترام الكبير الذى يتمتع به لدى شرائح واسعة في المجتمع. كما أن ثمة توجّس من احتمال ترشح غول للانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام القادم، ما يعني تشكيل خطر وتحد جدّي أمام الرئيس الحالى، علماً أن الرئيس السابق احتفظ طوال الوقت بآرائه لنفسه، رغم تحفظه أو معارضته لعدد من السياسات الداخلية، وتحديداً فيما يتعلق بالتحوّل من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، كما الخارجية أيضاً، وتحديداً فيما يخص العلاقة مع النظام المصري الحالي، والتعاطي مع التحولات الهائلة في المنطقة.
غضب الرئيس أردوغان يعود في جانب منه إلى أنها المرة الأولى التي يجاهر بها الرئيس غول علانية بمعارضته للحكومة، أو بعض سياساتها وقوانينها
الرئيس غول لم يخف معارضته للتحول إلى النظام الرئاسي عندما كان في سدة الحكم – صمت بعدها – وهو لم يتجاوز صلاحياته البروتوكولية، ولم يسمع لذلك في أي لحظة، وفضّل دائماً صياغة دستور ديمقراطي جدّي يؤسس لنظام برلماني راسخ ومتماسك، بعيداً عن دستور العسكر المعمول به حالياً، حتى مع التعديلات الأخيرة.
رغم ذلك، فإنه لم يجاهر بمعارضته العلنية للتعديلات الدستورية عندما تم الذهاب إلى استفتاء نيسان/ إبريل الماضي. ومع أن التسريبات تتحدث الآن عن تصويته بـ”لا”، إلا أنه التزم الصمت ولم يجار المعارضة في معارضتها للتعديلات الدستورية، علماً أن شريحة معتبرة من مؤيدي حزب العدالة والتنمية شعرت بحقيقة موقف غول ومسؤولين سابقين آخرين في حزب العدالة والتنمية، وامتنعت عن الذهاب أو صوّتت هي الأخرى بـ”لا”.
في السياسة الخارجية، كانت ثمة همهمات وتسريبات تشي بتحفظ الرئيس غول على سياسة الرئيس أردوغان الخارجية، وتحديداً فيما يتعلق بالعلاقة مع النظام المصري، علماً أنه وجه أثناء ولايته؛ برقية تهنئة إلى الرئيس السيسي عند انتخابه في العام 2014، ولكنه – كما في قصة التعديلات الدستورية – التزم الصمت بعد ذلك ولم يعلق صراحة، إلا بشكل عام وهادئ فيما يخص علاقات تركيا الخارجية.
الرئيس غول فسّر عودته إلى الأضواء، وإعلان موقف من مشروع القانون الخاص بالحصانة لمن واجهوا العسكر ليلة الانقلاب، كونه مواطنا خدم الدولة ومؤسساتها
الرئيس غول فسّر عودته إلى الأضواء، وإعلان موقف من مشروع القانون الخاص بالحصانة لمن واجهوا العسكر ليلة الانقلاب، كونه مواطنا خدم الدولة ومؤسساتها طوال نصف قرن تقريباً، وهو حريص على مصلحتها وأمنها واستقرارها، وهو تحدث ويتحدث عندما يرى ذلك لازماً وضرورياً، كما ليلة الانقلاب، حيث كان الرجل من أوائل من جاهروا برفضه والدعوة لحماية الدستور والمؤسسات والحياة السياسية الديمقراطية الحرة بشكل عام.
مع ذلك، لا يمكن فصل موقف غول عن الحراك السياسي الحزبي في البلد، والذي يصب في سياق الاستعداد للحزمة الانتخابية الحاسمة العام القادم، حيث الانتخابات المحلية في الربيع ثم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في خريف العام نفسه.
وبناء عليه، فثمة توقعات أو استنتاجات تشير إلى أن غول يفكر جدياً في الترشح للانتخابات الرئاسية، وأن تصريحه الأخير هو تمهيد للعودة إلى الساحة السياسية والإعلامية، وبناء اصطفاف سياسي وشعبي حوله، متشجعاً من نتيجة الاستفتاء الدستوري الأخير؛ التي أظهرت ما يشبه التكافؤ بين مؤيدي الرئيس أردوغان ومعارضيه.
الرئيس غول يبدو متشجعاً كذلك من الجوّ السياسي العام في البلد، وخلو الساحة من منافس جدّي للرئيس أردوغان خارج معسكره السياسي والفكري. فجمود حزب الشعب الجمهوري وتقوقعه داخل نسبة الـ25 في المئة، وعجز اليسار فكرياً وثقافياً وسياسياً عن ملاحقة المتغيرات والتحولات في البلد وخارجه، وصعوبة تأقلمه مع المزاج الشعبي العام في البلد تجعله في وضع لا يسمح له بناء جبهة سياسية عريضة، وبالتالي وضع تحد صعب أمام الرئيس أردوغان؛ السياسي الأقوى منذ مصطفى كمال أتاتورك حتى الآن.
حزب الحركة القومية اليميني التحق تقريباً، سياسياً وإعلامياً، بحزب العدالة والتنمية، رغم تحفظ جمهور الحزب على بعض الملفات الموضوعية، مثل التعديلات الدستورية، إلا أنه يدعم التوجه السياسي العام لحزب العدالة والتنمية في الداخل والخارج. كما أن انشقاق ميرال اكشنر وتشكيلها لحزب جديد أضعف عملياً الحركة القومية، دون أن ينال أو يستقطب – أقله حتى الآن – فئات أو شرائح مؤيدة لحزب العدالة والتنمية، أو حتى يسارية غاضبة من حزب الشعب وضعفه.
الشاهد أن البيئة مؤاتية فقط أمام سياسي من الوسط أو اليمين أي من نفس بيئة أردوغان لمنافسته في الانتخابات، مع انتقال مركز الثقل في الخريطة السياسية والحزبية إلى مربع اليمين، بجناحيه الوسط أو حتى اليمين القومي الصافي.
عموماً، فإن ترشح غول ليس حتميا، لكنه بات احتمالا جدّيا، مع الانتباه الى حقيقة أن الرئيس أردوغان بدأ عملياً مرحلة السابق نحو الحزمة الانتخابية الكاملة بشكل مبكر، وحتى مبكر جداً مع التغيير الوزاري في صيف 2016، ثم التعديلات الدستورية في ربيع العام الماضي 2017، والتغيير الوزاري الذي تلاها، والانتقال بعد ذلك إلى ورشة إصلاحات وتغيرات داخل حزب العدالة والتنمية وفق المعادلة الثلاثية التي صاغها أردوغان نفسه، والقائلة إن عام 2017 عام التغيرات والإصلاحات، والعام الذي يليه 2018 عام الإنجازات، وصولاً إلى عام الحسم والانتصار في العام 2019.
ترشح غول ليس حتميا، لكنه بات احتمالا جدّيا، مع الانتباه الى حقيقة أن الرئيس أردوغان بدأ عملياً مرحلة السابق نحو الحزمة الانتخابية الكاملة بشكل مبكر
يجب الانتباه كذلك إلى أن ما نعيشه الآن من انفتاح على الخارج، وتبنّي لغة هادئة نوعاً ما، تجاه أوروبا (فرنسا وألمانيا تحديداً)، كما رفض الفوضى في إيران، والفصل بين دعم الموقف الفلسطيني ورفض قرار ترامب حول القدس؛ دون الصدام أو الدخول في معركة سياسية وإعلامية مع واشنطن، أو حتى تل أبيب، يهدف الى دخول عام الانتخابات بشكل قوى ومتماسك، مع الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وصيانة معدل النمو الاقتصادي المرتفع، وربما غير المسبوق، وتشجيع التوقعات المتفائلة لنمو الاقتصاد في العام الجاري، والأعوام القادمة أيضاً.
عموماً، قد يكون الرئيس السابق غول مرشحا ومنافسا جدّيا للرئيس أردوغان، ومن نفس بيئته أو بيته السياسي الحزبي الثقافي والفكري. أيضاً، ورغم أن من السابق لأوانه الجزم بفكرة ترشحه، إلا أن الرئيس أردوغان يبدو في وضع يسمح له بالفوز، أو على الأقل يعطيه أرجحية على بقية منافسيه، خاصة مع استحالة تصويت الكتلة المعارضة كلها لصالح غول في حالة ترشحه، مقابل كتلة صلبة متماسكة يتمتع بها الرئيس الحالي.