استمرار قصف القواعد الأميركية في العراق وسوريا ربما يدفع إدارة بايدن إلى اتخاذ إجراءات أوسع
جنود أميركيون في قاعدة عين الأسد بالعراق (أ ف ب)
يبدو أن منسوب التوتر على الساحة السياسية والأمنية العراقية في ارتفاع مستمر، فمع الأزمات السياسية التي أحاطت بالمشهد مؤخراً، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات جديدة تستهدف ميليشيات مسلحة موالية لإيران، على إثر الهجمات المتكررة التي استهدفت القوات الأميركية في البلاد.
وتشمل العقوبات الأميركية الأخيرة ميليشيا “كتائب حزب الله”، إحدى أبرز الميليشيات العراقية الموالية لإيران، في مسعى منها للحد من الهجمات التي تتعرض لها القوات الأميركية في العراق وسوريا.
وتثير موجة التصعيد الأخيرة على القواعد الأميركية في العراق العديد من التساؤلات على حول إمكانية أن تدفع واشنطن إلى اتخاذ خطوات أكبر ضد حكومة “الإطار التنسيقي للقوى الشيعية” التكتل البرلماني الأكبر الموالي لإيران.
رسالة تحذير
ويأتي تصعيد الفصائل المسلحة الموالية لإيران في وقت تعاني حكومة محمد شياع السوداني من ضغوط اقتصادية كبيرة في ما يتعلق بإمدادات الدولار الأميركي، وهو الأمر الذي يجعل أي تصعيد أميركي إضافي معضلة كبيرة بالنسبة لحكومة بغداد.
في السياق، قال براين نيلسون وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية في بيان إن “الخطوة ترسل رسالة إلى كتائب (حزب الله) وجميع الجماعات الأخرى التي تدعمها إيران بأن الولايات المتحدة ستستخدم كافة الوسائل المتاحة لمحاسبة أي أطراف انتهازية تسعى لاستغلال الوضع في غزة لخدمة مصالحها”.
ولا تعد تلك المرة الأولى التي تصدر فيها واشنطن عقوبات على الميليشيا المسلحة، إذ سبقتها قائمة طويلة من العقوبات فضلاً عن إدراجها من قبل وزارة الخارجية الأميركية عام 2009 ضمن قائمة الإرهاب.
ودفعت إجراءات وزارة الخزانة الأميركية الميليشيا المسلحة إلى إصدار بيان قالت فيه، إن “توجيه الضربات المدروسة للمقاومة الإسلامية في العراق ضد الأعداء، وإيقاع الخسائر بين صفوفه وتدمير آلياته أو إرباكه وانشغاله تسير وفق استراتيجية استنزاف العدو في اختيار مستوى تصعيد العمليات ومسارها وتوقيتها”.
ووصف المسؤول العسكري للفصيل المسلح، أبو علي العسكري عقوبات وزارة الخزانة الأميركية بأنها “مثيرة للسخرية”.
رد فعل متوقع
وتأتي بوادر التصعيد بين واشنطن والجماعات الموالية لإيران في العراق، بعد نحو عام من الهدوء النسبي نتيجة تشكيل حكومة السوداني من قبل “الإطار التنسيقي”. وعلى رغم من مساعي حكومة السوداني في دفع الجماعات المسلحة الموالية لإيران على إيقاف عمليات القصف المتكررة، إلا أن بوادر استجابة تلك الجماعات تبدو منعدمة، وهو الأمر الذي دفع واشنطن إلى اتخاذ إجراء مباشر، بحسب مراقبين.
ويقول الباحث والكاتب مصطفى ناصر إن العقوبات الأميركية الأخيرة هي “رد فعل طبيعي ومتوقع لصانعي القرار في واشنطن”، مبيناً أن استمرار قصف القواعد الأميركية في العراق وسوريا ربما “يدفع إدارة بايدن إلى اتخاذ إجراءات أوسع”.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية”، أن العقوبات الأميركية الأخيرة “لم تمثّل مفاجئة لتلك الفصائل المسلحة”، مبيناً أن تلك العقوبات “لا تؤثر على الوضع المالي والاقتصادي للفصائل المدعومة إيرانياً في العراق وسوريا”.
وعلى رغم من التساؤلات التي تحيط بإمكانية أن يعقد استمرار استهداف المصالح الأميركية العلاقة بين بغداد وواشنطن، يستبعد ناصر حدوث ذلك، مشيراً إلى أن كلا البلدين لا يريدان “انتهاء فترة الهدوء والاستقرار السياسي”.
ويتابع أن المجتمع الدولي “يستفيد من حالة الاستقرار السياسي الذي يعيشه العراق في الفترة الأخيرة”، لافتاً إلى أن هذا الأمر هو الذي يحفّز طهران على “إدارة التصعيد”، خصوصاً أنها تدرك عدم رغبة صانعي القرار في واشنطن في “فتح جبهات إضافية بالتزامن مع الحرب في غزة”.
ولعل ما حفّز الجماعات المسلحة الموالية لإيران على توقيت هجماتها بالتزامن مع حرب القطاع، بحسب ناصر هو “المعرفة المسبقة بأن حدود التصعيد الأميركي لن تتجاوز مساحة فرض عقوبات اقتصادية”.
ويلفت إلى أن الدليل على ذلك هو أن رد واشنطن لم يتجاوز ثلاث هجمات بسيطة على تلك الجماعات لأنها لا تريد أن توسعة نطاق الحرب في المنطقة.
ويستبعد ناصر أن تكون تلك العقوبات مؤثرة على الجماعات الموالية لإيران، مبيناً أن قادة الميليشيات باتوا “يمتلكون خبرة في التعاطي المالي خارج قائمة العقوبات الأميركية، لا سيما أن العقوبات فرضت على قادة الفصائل منذ سنوات عديدة، وقد وجدوا بدائل للالتفاف عليها”.
تصعيد محدود
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة توالت هجمات الميليشيات الموالية لإيران على المصالح الأميركية في البلاد، إذ تعرضت القوات في القواعد الأميركية لأكثر من 60 هجوماً، أدت إلى إصابة عشرات الجنود، وهو ما دفع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى زيارة بغداد، والتأكيد على أن بلاده “ستتخذ كافة الإجراءات لحماية جنودها ومواطنيها”.
في السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية عصام الفيلي أن ما يعقد إمكانية أن تثير الفصائل المسلحة إجراء أميركياً ضد الحكومة العراقية هو كون الأخيرة قد حددت مساراتها في العلاقة مع واشنطن بوصفها “شريكاً استراتيجياً”، مبيناً أن الإدارة الأميركية تدرك أيضاً أن “حكومة بغداد ليست طرفاً في التصعيد الذي تديره تلك الفصائل بالضد من مصالحها في العراق”.
ويضيف أن العراق “لا يريد زيادة حدة المواجهة في الظروف الحالية مع واشنطن، ولولا الحرب في قطاع غزة لما حصل أي تصعيد ضد المصالح الأميركية في البلاد”.
ويتابع أن ما يؤكد عدم رغبة الفصائل المسلحة في إثارة واشنطن هو كون “أغلب الفصائل التي تتبنى الهجمات لا تعلن عن أسمائها وتتخذ عناوين ظل”، مبيناً أن “التركيز على قصف القواعد الأميركية في مناطق مختلطة النفوذ يأتي في سياق محاولة عدم الرمي بالمسؤولية على فصائل محددة”.
ولعل ما يدفع إلى الاعتقاد بأن واشنطن غير راغبة في معاقبة حكومة الإطار التنسيقي، بحسب الفيلي، هو تمديد إدارة بايدن فترة السماح لحكومة بغداد بالاستعانة بالغاز الإيراني.
وبالإضافة إلى ذلك، يعتقد الفيلي أن الفصائل المسلحة لا تود في المرحلة الحالية “إدخال حكومة السوداني ضمن طائلة أي عقوبات أميركية، خصوصاً مع رفع الإطار التنسيقي شعارات اقتصادية وخدمية قد تطيح بها أي إجراءات أميركية”.
تأثير طفيف
ويعتقد مراقبون أن استمرار عمليات القصف للقواعد الأميركية في العراق ربما يدفع واشنطن إلى اتخاذ خطوات إضافية، إلا أن إدراك صانعي القرار في واشنطن عدم امتثال قادة تلك الميليشيات لأي قرارات سياسية من الحكومة العراقية هو الذي يعقد الإجراءات الأميركية ضد العراق.
ويعتقد الباحث في الشأن السياسي، حميد حبيب أن عقوبات واشنطن الجديدة على “كتائب حزب الله”، تأتي في إطار “رد الفعل الأميركي والتأكيد على موقف واشنطن من هذا الفصيل”، مبيناً أن تأثيرها على الأرض سيكون “طفيفاً على قوة ونفوذ هذا الفصيل المسلح”.
ويشير إلى أن “عدم امتثال ميليشيا كتائب (حزب الله) وغيرها من التشكيلات التي تقع في أقصى اليمين الموالي لإيران لتوجيهات الحكومة العراقية، يجعل من تلك العقوبات غير ذات صلة بالعلاقة الرسمية بين واشنطن وبغداد”، لافتاً إلى أن تلك العقوبات ستسهم فقط في “إحراج حكومة السوداني داخلياً وخارجياً”.
ولعل ما يسهم في عدم خروج حدود التصعيد عن مساحة العقوبات الاقتصادية، بحسب حبيب هو “عدم رغبة حكومة السوداني في إثارة واشنطن في الوقت الحالي، بالتزامن مع الإشكالات الداخلية والخلافات الحادة بشأن الانتخابات المحلية المقبلة”.