هل تجاوزت المنظمات النقابية دورها؟ تساؤلات مشروعة بعد غزوة المحكمة.. الشاهد مطالب بالخروج من دائرة التردد قبل أن تعصف به الازمات

1

 
اسيا العتروس
أزمة النقابات في تونس تستفحل وتعقد المشهد اجتماعيا وسياسيا مع تجاوز بعض النقابات والقيادات النقابية بعض الخطوط الحمر بما يوشك أن يدفع بالبلاد الى الاسوأ , أوهذا على الاقل ما يبدو حتى الان …ما حدث من جانب بعض النقابات الامنية من تحركات في محيط المحكمة الابتدائية بولاية بنعروس سابقة خطيرة لان الامر يتعلق بالامن حامل السلاح وهو المؤتمن على البلاد , والامن في عقلية التونسي وفي لغة القانون هو من يفترض أن يكون حصن البلاد وحاميها من كل المخاطر .صحيح أنها ليست المرة الاولى التي تعيش فيها تونس على وقع أزمة بسبب النقابات المهنية حدث هذا مع نقابة الاطباء في حكومة الحبيب الصيد وانتهى بها الى فرض خيارها واقالة وزير الصحة سعيد العائدي و حدث مع نقابة التعليم و انتهى بالنقابة المعنية الى ازاحة وزير التربية ناجي جلول بعد ان تحول الصراع الى عملية استعراض للعضلات و اليوم تتجدد الازمة مع نقابة التعليم التي تصرعلى حجب الاعداد و سبق لها التهديد بسنة بيضاء لا يمكن لاحد القبول بها ولا يمكن لتونس تحمل تداعياتها فسنة بيضاء مكلفة جدا في حسابات ميزانية الدولة كما في ميزانية العائلة التي تستثمر في تعليم ابناءها ولا تدخر القليل اوالكثير لرؤيتهم ينجحون … المنظمة الشغيلة او اتحاد الشغل الذي ارتبط باسم مناضلين و نقابيين منذ زمن محمد علي الحامي والطاهر بن عاشور و الشهيد فرحات حشاد والحبيب عاشور كان وسيظل سندا للطبقة الشغيلة في كل الازمات ..وهذا الاتحاد الذي منح تونس الى جانب الرباعية جائزة نوبل للسلام .وقد وجب اليوم استعادة كل ذلك و الانتباه الى اهمية الدور الوطني لاتحاد الشغل أمام بعض الممارسات التي تأتيها بعض القيادات النقابية التي يبدوأنها لا تنتبه في غمرة مواقفها الحماسية الى تداعيات ذلك على المشهد الهش في بلد توقفت عجلة النمو فيه و استفحلت فيه البطالة و الجريمة و غابت الاستثمارات وتضاعفت الديون و ترنح الدينار الى أسوا مستوياته ..
-صمت رسمي مريب ..
ما حدث الاثنين الماضي في محيط المحكمة الابتدائية ببن عروس سابقة خطيرة بكل المقاييس وهي تحمل في طياتها الرسالة الخطأ في الوقت الخطأ ولا يمكن بأي حال من الاحوال أن تطمئن التونسيين عندما يتعلق الامربهيبة الدولة . والحقيقة أن الاخطرأن تلوذ السلطات الرسمية المعنية ممثلة في وزارتي الداخلية والعدل بالصمت , وتختارالهروب عن مكاشفة الرأي العام وتقديم الحقيقة التي تبقى الضحية الاولى في حادثة غزوة المحكمة التي أثارت ما أثارت من جدل ونقاط استفهام طلت عالقة لدى مختلف الاوساط السياسية والقضائية والاعلامية و فتحت المجال لكل التأويلات والسيناريوهات عن مظاهرخيبة الدولة بدل هيبة الدولة وارتهانها لسلطة النقابات الامنية بدل سلطة القانون ..
نقول هذا الكلام وقد وجب الاعتراف أن الحادثة كشفت عن ضعف وهشاشة السلطة ازاء ما تعيش على وقعه البلاد من أزمات معقدة لا يكاد يخلو منها قطاع من القطاعات ومن ذلك الازمة الراهنة بين النقابات الامنية والسلطات القضائية التي لا تعالج بالتجاهل والصمت الرهيب…بل انه لولا ردود الافعال المسجلة من جانب المجتمع المدني الى جانب عديد المنظمات والجمعيات الحقوقية الوطنية دفاعا عن دولة القانون المؤسسات وانتصارا لاستقلالية القضاء لخلنا أننا ازاء سلطة معزولة في برجها العاجي و غير معنية بما يحدث في البلاد …
لسنا في اطار محاكمة النوايا , ولكن حادثة محكمة بن عروس الاثنين الماضي يصح وصفه بالتراجيدا السياسية بامتياز في بلد يكابد من اجل الحفاظ على بقية من هيبة الدولة ..
ولاشك أن الكثيرين تسائلوا ليس من دون خوف ماذا لو حدث ما لم يكن في الحسبان ودفع الى خروج الاحداث عن السيطرة أواللجوء الى السلاح عن خطئ أواحتجاجا على محاكمة الامنيين الذين يواجهون اتهامات بشبهة ممارسة التعذيب ؟
وفي انتظارما يمكن أن تحمله الساعات القادمة من توضيحات مطلوبة , فان الاكيد أنه لا أحد اليوم ينكرعلى الامنيين حقهم في الاحتجاج السلمي أوفي التضامن اوفي الدفاع عن مصالحهم … وهم جزء لا يتجزأ من هذا الشعب وقد قدموا الكثيرمن التضحيات في الحرب على الارهاب , ولكن وجب التأكيد ايضا وهذا الاهم على أن في طريقة الدفاع عن الحقوق مهما كانت شرعيتها ما يمكن أن يبددها ويفقدها مصداقيتها اذا تخلت عن قوة القانون واعتمدت بدلا من ذلك قانون القوة التي تقود الى الهمجية والبلطجة والفوضى ..ولاشك أنه كانت استقلالية القضاء وهي جزء لا يتجزأ من هيبة الدولة وخط أحمرلا يقبل المقايضات والابتزازات تحت أي عنوان كان , فان عقلية وثقافة الامن الجمهوري فكرا وممارسة تاج لهيبة الدولة ولدستورالجمهورية الذي كتب بدماء الشرفاء من أبناء تونس ..
الواقع أيضا , أن اعتماد بعض النقابات الامنية لورقة الخطرالارهابي لتبرير ما حدث لا يلغي عنها المسؤولية القانونية ازاء ما حدث .وقد كان أحرى اللجوء الى العدالة للمطالبة بالتحقيق وكشف الحقيقة كاملة بشأن قضية الحال وتورط المشتبه به في جرائم ارهابية . فالعدل يظل أساس العمران ولا يمكن بأي حال من الاحوال التفريط في ذلك لان البديل هو الخراب .و من هنا أهمية التمرن على التخلص من اعتماد الاساليب القمعية والتعذيب وانتهاك انسانية الانسان فكرا وممارسة .وهذا هدف يمكن التوصل اليه وتحقيقه بضمان القضاء العادل للجميع .وقد يكون من المهم دعم ذلك بتوفير أجهزة كاميرا في غرف التحقيق حماية للمشتبه بهم ولكن ايضا حماية للامنيين الذين سيتعين عليهم التعامل مستقبلا مع الاف الملفات المتعلقة بالارهابيين العائدين من بؤرالتوتر ..
المشكلة اليوم ليست في مصطلح هيبة الدولة ولكن في مفهوم هذا لمصطلح .وعلى من في السلطة أن يتذكرأنه اليوم حاكم وغدا محكوم وأنه سيحتاج لحماية القانون ….العمل النقابي مكسب لا تنازل عنه والتونسيون حققوا ذلك على مدى عقود طويلة من النضالات ولكن العمل النقابي مسؤولية أيضا ازاء الشعب وازاء الوطن وهي مسؤوليات يجب أن تكون فوق كل الحسابات والابتزازات وليس على حساب الاجيال القادمة ..تونس مقبلة على استحقاق انتخابي مصيري سيعيد تشكيل الخارطة السياسية , و التحديات القادمة لا تقبل الاستهانة بالمخاطر الكثيرة التي تعيش على وقعها المنطقة و تحديدا الجوار الليبي والخطر الارهابي ماثل امامنا ولا مجال لحكومة الشاهد ان تستمر في سياسة الهروب الى الامام وعليها اليوم كسب الاختباروالخروج من دائرة التردد والارتعاش والتخلص من طابور المسؤولين الذين ليس لهم من المسؤولية غير الصفة ..و ربما تعين على يوسف الشاهد التعجيل باعادة ترتيب البيت و تحديد الاولويات قبل أن تعصف به الازمات العالقة …

التعليقات معطلة.