اخبار سياسية

هل تحتاج أوروبا لـ”غطاء نووي” بغياب موثوقيّة الرّدع الأميركيّة؟

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في زيارة لمقر الناتو

بين الالتزام بالردع تحت المظلة النووية للولايات المتحدة، والحديث لمصلحة إجراء مناقشات جادة حول “القنبلة النووية الأوروبية”، يسود الاختلاف في وجهات النظر في ألمانيا وأوروبا لتحديد مآل الأمور الدفاعية المستقبلية، خاصة مع اقتراب خطوات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من احتمالية العودة مجدداً إلى المكتب البيضاوي، ومجاهرته خلال فعاليات انتخابية بأنه لا يريد حماية شركاء الناتو الذين لا يستثمرون في الإنفاق الدفاعي داخل الحلف بما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك في مواجهة أي تهديد من روسيا. فهل حان الوقت للنظر في موضوع الردع النووي الأوروبي بغياب موثوقية الردع الأميركية؟

مهاجمة دول الناتو

الجدل اشتعل مؤخراً، وظهر التباين على وقع تصريحات وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس من مؤتمر ميونخ للأمن بالاستعداد لصراع طويل مع روسيا، وتمسك المستشار أولاف شولتس بالحماية المشتركة عبر الناتو، وتشديد الأمين العام للناتو ينس ستولينبرغ على أن قوة ردع محتملة من دون الأميركيين هو أمر “غير مفيد”. فيما بينت الردود التي أثيرت في ألمانيا أن هناك حاجة لاستيعاب “نقطة التحول” في موقف ترامب، والعمل على أساسها بقوة أكبر.

وفي هذا الصدد، قالت السياسية عن الحزب الليبرالي الحر ليندا تويتبرغ في حوار مع القناة الثانية في التلفزيون الألماني “زد دي إف”، إن ترامب يشكك علانية في واجب المساعدة داخل الناتو، ويشجع روسيا بطريقة ما لمهاجمة دول الحلف. معربة عن خشيتها من أن يتم استغلال هذه القضية في الحملات الانتخابية البرلمانية الولائية في ثلاث ولايات شرق البلاد في الخريف المقبل، وحيث يتعين على الساسة أن يشرحوا جيداً لماذا أصبح الإنفاق المتزايد الآن على الجيش الألماني ضرورياً.

بدوره، اعتبر رئيس اللجنة العسكرية للاتحاد الأوروبي روبرت بريغر، الجمعة، أن النقاشات الدائرة حول إنشاء مظلة نووية أوروبية لها ما يبررها، وأن المداولات حول الأسلحة النووية “أمر مشروع” بالنظر إلى موقف روسيا للمواجهة. مشدداً على أنه يجب أن تكون تصريحات ترامب حافزاً لتزيد أوروبا – وبشكل كبير – مساهماتها من أجل المزيد من الاستثمارات الدفاعية المشتركة، وقابلية التشغيل البيني للأنظمة العسكرية.

توسيع البرنامج النووي الأوروبي

وحول إمكانية توسيع برنامج الأسلحة النووية في أوروبا، انطلاقاً من البرنامج النووي الفرنسي وفق ما يطرحه الرئيس إيمانويل ماكرون، يبدو أن هذا الأمر مشكوك فيه. وعلى سبيل المثال، أفادت رئيسة لجنة الدفاع في البوندستاغ ماري أغنيس ستراك تسيمرمان في مقابلة مع مجموعة “دويتشلاند فونكه”، بأنه لا يمكن للأسلحة النووية الفرنسية أو البريطانية أن تحل محل “الدرع الواقية الأميركية”، وأن أوروبا لا تزال في وضع يسمح لها ببناء رادعها الخاص في فترة قصيرة من الزمن.

وعزز هذا الموقف، خبير الأمن والدفاع البروفسور في جامعة البوندسفير في ميونخ كارلو ماسالا، في حديث إعلامي، والذي أشار إلى أن مظلة الاتحاد الأوروبي الواقية “ليس لها معنى… لأنه ليس من الواضح أين تكمن القيادة”، وموضحاً أنه من الصعب أن نتصور أن أعضاء الاتحاد الأوروبي يمكن أن يتفقوا على موقف يتعلق بسلطة التصرف. قبل أن يشير إلى أنه، من أجل بناء درع وقائية على مستوى التكتل، سوف تكون هناك حاجة إلى اتحاد دفاعي، وهذا طبعاً يتطلب عملية طويلة الأمد.

وخلص ماسالا إلى أن الجيش الفرنسي لا يمتلك سوى أسلحة نووية استراتيجية، ولا إمكانية لاستخدامها في المعارك المباشرة، بل على مسافات طويلة. والردع التقليدي يتطلب سلاحاً نووياً تكتيكياً يطير على مسافات أقصر، وفعالية استخدامه في المعارك تكمن من خلال تنفيذ هجمات أكثر تحديداً.

هل تستطيع ألمانيا إنتاج أسلحة نووية؟

تفيد القراءات بأنه كان من الصعب على ألمانيا شراء أو إنتاج رؤوس نووية بسبب معاهدة “اثنين زائداً أربعة” التي تم توقيعها عقب الحرب العالمية الثانية بين الدولتين الألمانيين (آنذاك) والقوى الأربعة المنتصرة في الحرب، لأن العقد نص على تخلي ألمانيا عن تصنيع أسلحة الدمار الشامل والتخلص منها وحيازتها.

وبحسب الخبير ماسالا: “لا نقص حالياً في المعرفة العلمية في مجال الأبحاث، لكن هناك مشكلة أخرى وهي أننا اعتدنا على امتلاك التكنولوجيا القديمة”. ورغم أن ألمانيا أوقفت تشغيل آخر محطات الطاقة النووية، فإنه لا يزال يمكن الحصول على البلوتونيوم الصالح لصنع الأسلحة النووية في محطاتها، وعلى سبيل المثال عن طريق “تشعيع” اليورانيوم في المفاعل… وهناك أيضاً نهج آخر يتمثل في تخصيب اليورانيوم باستخدام عملية معقدة لنشر الغاز.

وعما إذا ما كان من خيارات بديلة للردع، أشار ماسالا إلى أن الردع الحقيقي الوحيد سيأتي من خلال إنشاء اتحاد دفاعي داخل الاتحاد الأوروبي، ومبرزاً أنه “إذا ما سحب ترامب المظلة النووية غداً، فلن يكون لدينا رادع نووي أوروبي بعد غد، وسيستغرق ذلك سنوات”.

ما مدى جدية تهديد ترامب؟

تفيد التعليقات بأنه من ناحية يجب النظر إلى توجهات ترامب بمغادرة الناتو على خلفية أنه كثيراً ما يهدد، ويتحدث من أجل كسب الأصوات عبر هذه القضية. ومن ناحية أخرى، يتعين أن تؤخذ تصريحاته على محمل الجد، لأنه في الواقع قد يكذب طوال الوقت، مع استثناء وحيد هو عندما يطلق التهديدات؛ فعادة ما يكون جدياً، ولذلك سيكون قادراً على تنفيذ وعد كهذا. كل ذلك، وهو يدرك أن الأسلحة النووية باهظة الثمن لشرائها أو لصيانتها أيضاً، وهذا يرهق الأوروبيين. ناهيك عن أن أنصاره سيكونون سعداء إذا ما أوفى بتعهده، وهم الذين يؤيدون استخدام أموال الضرائب محلياً، بدلاً من صرفها على الإنفاق الدفاعي للناتو والحرب في أوروبا.

عدد الأسلحة النووية 

الأسلحة النووية هي أسلحة دمار شامل، وتعتبر من أخطر وأقوى الأسلحة التي تم تطويرها على الإطلاق. وعلى عكس القنابل الأخرى، فإن الطاقة المطلوبة لا يتم توليدها من خلال الاحتراق، لكن من خلال مبدأ الانشطار النووي. وهذا يخلق الطاقة في شكل حرارة وضغط وإشعاع. وتفيد التقارير بأن روسيا تمتلك أكبر عدد منها وبما يقارب 5899 رأساً حربياً، تليها الولايات المتحدة بنحو 5244 رأساً، وكانت أول دولة قامت بتطوير القنبلة النووية خلال الحرب العالمية الثانية. وبالمقارنة، فإن الدول الأخرى لديها أعداد أقل كثيراً، ويصل المجموع العام منها إلى 13100 رأس نووي في جميع أنحاء العالم.

تجدر الإشارة إلى أن ألمانيا تعتبر جزءاً من الاستراتيجية النووية للناتو، والمشاركة في الحلف الدفاعي تسمح أيضاً بتخزين الأسلحة النووية خارج الولايات المتحدة، ولهذا السبب هناك بعضها في ألمانيا، ولفترة طويلة كانت موجودة في القاعدة الجوية الأميركية في رامشتاين الألمانية. وتم سحب 130 سلاحاً نووياً بين أعوام 2001 و2005، ولا يزال هناك قنابل نووية منها في القاعدة الجوية في بوشل التابعة لولاية راينلاند بفالز، حيث يتم تخزين ما بين 10 إلى 20 من الرؤوس الحربية التكتيكية، أي الأسلحة النووية التي يمكن استخدامها بطريقة مستهدفة، وحيث يمكن للطائرات الألمانية المقاتلة نقلها بحال نشوب حرب نووية.