مقالات

هل تحرق أميركا آخر مراكب العودة التركية؟

 
 
محمد بن سعيد الفطيسي
 
وضعت الولايات المتحدة الأميركية أحد أبرز حلفائها الاستراتيجيين في الشرق الأوسط في موقف حرج وصعب للغاية، حيث الخيارات الصعبة والمحرجة للسياسة التركية، إذ يفترض على تركيا أردوغان الاختيار بين صفقة منظومة الدفاع الصاروخية الروسية “أس 400″ وصفقة الطائرات الأميركية المقاتلة “أف 35″. بالتالي الخيار بين العلاقات التركية الأميركية أو العلاقات التركية الروسية، وهو أمر بلا شك أشبه باختيار بين أمرين أحلاهما ـ كما يقال ـ أمر من الآخر، يضاف إلى ذلك أن الموقف الأميركي سيتسبب كذلك من ناحية أخرى بتوتر العلاقات الأميركية الروسية، فمما لا شك فيه أن أميركا بهذا التصرف تدفع بالعديد من حلفاء روسيا إلى اتخاذ مواقف تضر بالمصالح القومية الروسية، يضاف إلى ذلك ما تتسبب به هذه المواقف من توتر واضطراب وفوضى في العلاقات والسياسات الدولية.
على العموم هناك وقت كافٍ للأتراك للبحث عن خيط أمل للتعلق به قبل حرق آخر مراكب العودة التركية، أو الوصول إلى نقطة اللاعودة كما يطلق عليها، فالموعد المحدد من قبل الولايات المتحدة الأميركية هو قبل نهاية شهر يوليو 2019م، وحتى ذلك الموعد ستبذل تركيا بكل تأكيد كل جهدها للوصول إلى تسوية معينة أو حل للأزمة، رغم قوة الضغوط الأميركية عليها والتي بدأت بالفعل عبر تعليق تدريب الطيارين الأتراك على مقاتلات “أف 35″ الأميركية في قاعدة لوك الأميركية، وما يتردد من ارتفاع الأصوات الضاغطة باتجاه التصعيد ضد تركيا في الكونجرس الأميركي، حيث لوح هذا الأخير بمعاقبة تركيا وفق قانون مكافحة أعداء أميركا من جهة، وفك الارتباط العسكري مع الأتراك من جهة أخرى.
بناء على تلك المعطيات سالفة الذكر يمكن القول إن مستقبل الأزمة التركية الأميركية يتمحور حول النقاط الآتية:
1- البيت الأبيض يختبر مدى قوة التوجهات والسياسات الأميركية الضاغطة مع أحد أبرز القوى الصاعدة في الشرق الأوسط، وهو بحد ذاته اختبار محرج كذلك للولايات المتحدة الأميركية، فمن جهة يمكن أن يتسبب هذا القرار بفقدان الثقة الأميركية بقوتها السياسية وعلاقتها الاستراتيجية مع تركيا في حال تخلت تركيا عن صفقة الطائرات، وهو أمر له ما بعده من احتمالات توتر العلاقات الأميركية التركية، ولو كان ذلك في فترة الرئيس ترامب على أقل تقدير، وهو من جهة أخرى سيتسبب بكسر ثقة الأتراك بأنفسهم وبمكانتهم القارية وبثقتهم بحليفهم الذي وضعهم في أكثر الأزمات التركية الحديثة صعوبة في حال خسرت تركيا صفقة “أس 400″.
2- في حالة نجاح ترامب في الضغط على الأتراك فهذا الأمر كذلك قد يتسبب في توتر العلاقات الأميركية الروسية، ولا شك أن العلاقات التركية الأميركية هي الأخرى ستكون في وضع مختلف عما كان عليه من قبل. فلا أتصور أن الروس سيقبلون هذا الأسلوب في التعامل مع حلفائهم أو الصمت عن الطريقة الأميركية في إحراجهم وتضييع مصالحهم الاستراتيجية والقومية، خصوصا أن هذه الصفقة ستكسب منها روسيا المليارات.
3- لا شك أن الأتراك بحاجة ماسة لكل من شراكة الولايات المتحدة الأميركية وصداقة الروس، فكل من روسيا وأميركا تربطهما علاقات ذات طابع حساس واستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط مع تركيا، وهذه العلاقة بلا شك لا يمكن التفريط بها، لأن ذلك بلا شك سيؤدي إلى خسارة الأتراك للعديد من المميزات والأوراق السياسية الرابحة، خصوصا في قضايا تلامس الأمن الوطني التركي، وكذلك المكانة الجيوسياسية لتركيا في الشرق الأوسط.
4- للأتراك خبرة كافية في السياسة الدولية، ومن المؤكد أن ميزان الاختيار التركي سيرجح المصالح الاستراتيجية التركية في حال اضطرت تركيا للاختيار بين العلاقات التركية الأميركية أو التركية الروسية، والمرجح في هذا الاتجاه بناء على العديد من المعطيات أن تبرز معايير ومحددات المصالح السياسية والاقتصادية الأكثر استمرارية ولو كان ذلك على حساب خسارة أحد أبرز الشركاء كالولايات المتحدة الأميركية، على أن ذلك سيسبقه محاولات تركية دبلوماسية وربما ستتدخل أطراف خارجية لاحتواء الأزمة.
5- بلا شك لا يوجد ثابت في السياسة الدولية غير المصالح الاستراتيجية، وهذه الدول (أي أميركا روسيا وتركيا) دول لها وزنها وحساباتها الخاصة، وفي اعتقادي أن تسوية معينة هي أقرب للحدوث، وفي أسوأ الظروف ربما تتراجع تركيا عن كلتا الصفقتين إلى نهاية فترة الرئيس ترامب.
6- في حال ضغطت الولايات المتحدة الأميركية على تركيا للاختيار الصعب والمحرج، فبتصوري أن خيار الجانب الروسي هو الأفضل ولو بشكل مؤقت حتى نهاية فترة الرئيس ترامب على أقل تقدير، حيث إن المواقف الروسية خلال القرن الـ21 هي الأكثر ثباتا وقوة ومصداقية، أما بالنسبة لتوتر العلاقات التركية الأميركية فهو مؤكد في جميع الحالات، رغم أن العديد من الآراء والتحليلات ترجح الخيار الأميركي على الخيار الروسي بالنسبة للأتراك، وهو الخيار الأكثر واقعية بالنسبة لموازين القوة.
7- لا تنحصر المشكلة التركية في المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية وحدها، بل تتسع دائرة الأزمة لتمتد إلى المواجهة مع حلف الناتو والذي هو كذلك يرفض الصفقة التركية الروسية، الأمر الذي يعقد الخيارات التركية ويرجح واقعية الاتجاه نحو صفقة طائرات “أف 35″ على حساب “أس 400″.
8- بتصوري أن روسيا ستكون أكثر تفهما ومرونة تجاه الشريك التركي، وأتصور أن العلاقات الروسية التركية لن تتوتر كثيرا في حال اضطرت تركيا إلى الاتجاه باتجاه الولايات المتحدة الأميركية على مضض، رغم أن هذا التصرف وبتصوري يتناقض كثيرا مع السياسة التركية ومع مواقف الرئيس التركي أردوغان حيال هذا النوع من الضغوطات.
9- لا شك أن روسيا وقبل نهاية شهر يوليو ستبذل جهدها كذلك للتدخل المباشر وغير المباشر في هذه الأزمة، كما أنها ستبذل جهدها لتقليل الخسائر التركية في حال شعرت أن الأتراك سيتجهون شرقا إليها على حساب الولايات المتحدة الأميركية، وذلك عبر تقديم العديد من العروض والامتيازات لتركيا كالتسهيلات في السداد وتسريع عملية التسليم.
10- الخيار التركي لصفقة طائرات “أف 35″ سيكون الأسوأ لتركيا لوجود العديد من الاتفاقيات والتسويات التركية الروسية على العديد من القضايا في الشرق الأوسط، خصوصا حيال القضية العراقية والكردية، الأمر الذي يمكن أن يعيد إلى الواجهة التركية أكثر كوابيسها القومية.