محمد عبد الجبار الشبوط
تعرض العراق لعملية تخريب منهجية منذ استيلاء صدام حسين شخصيا على المواقع الاولى في الدولة عام ١٩٧٩. فقد شن الطاغية المقبور حربه الاولى على ايران بعد مرور اقل من سنة على ذلك بدعم وتشجيع من دول عربية واجنبية على راسها الولايات المتحدة للقضاء على الثورة الاسلامية في هذا البلد.
واستمرت الحرب ثماني سنوات بعد ان استنزفت كل الاحتياطي النقدي العراقي واسقطت قيمة الدينار العراقي وكبلت العراق بديون خارجية ثقيلة.
بعد خروج العراق من حرب الخليج الاولى باقل من سنتين، ارتكب صدام مغامرته الخارجية الثانية باحتلال الكويت (١٩٩٠) بعد ان اخبرته الولايات المتحدة انها تعتبر مشكلته مع الكويت امرا عربيا داخليا لا تتدخل به.
واقتضى احتلال الكويت تدخلا دوليا بقيادة الولايات المتحدة لاخراج القوات العراقية (عام ١٩٩١). وتم ذلك بعد تدمير مالم يتم تدميره خلال الحرب العراقية الايرانية وفرض عقوبات اقتصادية على العراق استخدمها النظام الصدامي لتجويع العراقيين.
وفي عام ٢٠٠٣ عاد العالم الى العراق ليشن حربه الاخيره لاسقاط نظام صدام، وقد تطلب ذلك ان يخرج العراق مدمرا بالكامل حيث لم يبق حجر على حجر.
وبين عامي ٢٠١٤-٢٠١٧ خاض العراق، دفاعا عن نفسه وعن العالم، حربا ضروسا ضد داعش التي احتلت المحافظات المدمرة الان. وداعش وليدة رحم خارجي.
المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية دمار العراق، مرة حين دعم صدام في حروبه الداخلية والخارجية، ومرة حين شن حروبه عليه واسقطه بالضربة القاضية، ومرة حين لعب دورا قذرا في ظهور داعش.
والمجتمع الدولي يتحمل المسؤولية الاخلاقية عن اعادة اعمار العراق ايضا. ولهذا حدثت مؤتمرات اعمار العراق الذي كان اخرها مؤتمر الكويت الذي شارك في العراق بوفد كبير بلغ عدد اعضائه ١٤٣ عضوا. العراق لا يستجدي احدا، انما يطلب من العالم ان يتحمل مسؤوليته باعادة اعمار العراق، واعادة اعمار المحافظات التي دمرها داعش.
لكن مؤتمر الكويت كان خيبة للامال. فقد طلب العراق ٨٨ بليون دولار لاعمار المحافطات المتضررة. والمؤسف ان العالم رد على هذا الطلب بالرفض، عمليا، رغم الخطب الرنانة والكلمات الجوفاء.
صحيفة “نيويورك الاميركية” قالت الثلاثاء ان المؤتمر يتجه نحو الفشل الذي سوف يتسبب باحراج الحكومة العراقية. فلم تتقدم الدول، وعلى راسها الولايات المتحدة، بالتبرعات المامولة ولم يحصل العراق على اكثر من ٤ بليون دولار. فسرت الصحيفة النتيجة المخزية بقولها: ان الرئيس ترامب ترك مهمة بناء الدولة في العراق للدول الاخرى التي لم تستحب بدورها لهذا.
يختلف تقرير الصحيفة الاميركية عن مانشيت صحيفة “الصباح” العراقية. فقد قالت الصحيفة ان المؤتمر شهد “استجابة عالمية واسعة لاعمار العراق”. وهذا ليس دقيقا بطبيعة الحال.
يتعين على الحكومة العراقية، ومعها الاعلام العراقي المسؤول، ان يصارحا الشعب بالحقيقة. والحقيقة ان العالم تخلى عن مسؤوليته في اعادة اعمار العراق. العالم شارك في تدمير العراق، وها هو اليوم يكتفي بالفرجة عليه وهو يعاني من خراب البنية التحتية وملايين المهجرين.
الصحيفة الاميركية كانت اكثر صدقا حين قالت “انها ضربة مهينة تعرضت لها الحكومة العراقية التي لا تستطيع تحمل نفقات اعادة البناء لحرب كانت بطريقة ما من نتائج الاحتلال الاميركي للعراق بين عامي ٢٠٠٣-٢٠١١”
بل ان الصحيفة اضافت ان فشل مؤتمر الاعمار يهدد بالخطر المستقبل السياسي لرئيس الوزراء حيدر العبادي ويحط من قيمة الجهود التي بذلت في السنوات الماضية من قبل الولايات المتحدة وغيرها من اجل تحقيق الاستقرار في العراق ومحاربة الارهاب.