حسن فليح / محلل سياسي
سبق وان طلبت ايران من الحكومة العراقية بطرد المعارضين لها من شمال العراق ، وحددت التاسع عشر من الشهر الحالي موعد نهائي وفي حالة لم تنفذ حكومة الاقليم ذلك فانها ستتعامل بطريقتها الخاصة لاخراج وضرب المعارضين لها داخل الاراضي العراقية ، جاءَ هذا التصعيد بالتزامن مع التحركات العسكرية الامريكية على الحدود السورية العراقية تمهيدا لقطع الحدود وطرق الامداد الايرانية للداخل السوري ، اما انسحاب الفصائل والحشد الشعبي من الحدود جاء بناءً على رغبة القواة الامريكية ، لتفريغ الحدود المتاخمة على الشريط الحدودي مع سوريا امام تلك التحركات ، يبدو أن هناك اتفاقا خفيا بين الامريكان والايرانيين يقضي بنزع اسلحة جميع الفصائل المسلحة الموالية لايران او المعارضة لها في كل من سوريا والعراق ضمن صفقة سياسية ، وهذا الاتفاق يتيح ضمنا للتواجد العسكري التركي في شمال العراق بأستهداف حزب العمال الكردي ، وبذلك تكون ايران قد تخلت عن اذرعها بالمنطقة وعن النظام السوري مقابل تصفية الفصائل المسلحة الكردية وغيرها من المعارضين في شمال العراق وسوريا ، بدليل ان الامريكان والفصائل المسلحة لن يستفزو بعضهما لحد الان بناء على توجيهات أيرانية لتلك الفصائل تمت بالتنسيق بين الطرفين الامريكي والايراني ، علما أن الهدف الاستراتيجي الابعد للتحركات الأميركية هو تغيير قواعد الاشتباك مع الروس في سوريا وتضيق الخناق على نظام بشار الاسد تمهيدا لاسقاطة ، وبذلك تجنبت ايران الضربة العسكرية التي يلوحان بها كل من امريكا واسرائيل من خلال التحشدات العسكرية بالخليج والمناورات العسكرية بين اسرائيل وامريكا والتي اجريت عدة مرات لمحاكات ضربة جوية للمفاعلات النووية الايرانية ، علما ان ادارة بايدن اصبحت قريبة جدا من هدفها التي سعت الية طيلة السنوات الماضية وهو قبول ايران بالشروط الامريكية بخصوص برنامجها النووي تجنبا للضرية العسكرية التي تستهدفها وربما تستهدف نظامها ، وبذلك حققت الصفقة مع ايران النصر المفقود والمتاح حاليا لبايدن وادارته قبل الانتخابات الرئاسية ، وكل ذلك يجري مع وجود العصىٰ الغليظة فوق الرؤوس اذا لزم الامر بالتزامن مع المسار السياسي نحو تحقيق الاهداف الامريكية بالسلم أو بالحرب ، دائما ماتكون للصفقات السياسية ثمنها المدفوع تجنبا لما هو اسواء خاصةّ من قبل الدول والانظمة المشبوهه والضعيفة والغير متكافئة امام القوى العظمى ، ايران لعبت دورا سلبيا في زعزعة الامن والاستقرار بالمنطقة واشاعة روح الطائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن ولم تكن يوما لاعبا ايجابيا في استقرارها وساعية لسلامتها ، وتحركها في ذلك اجندات واهداف ومخططات دولية ضد العرب وامنهم هكذا هي التجربة التي عاشتها منطقتنا معها منذ اكثر من اربعين عاما ، اليوم نجد ايران في لحظة التخلي عن اذرعها وشعاراتها المقاومة وتحرير القدس وتصدير الثورة ، من اجل الحفاظ على نظامها بعد ان شعرت بالتهديد الجدي لها ونهاية اللعبة معها وسياسة التخادم التي كانت تقتضيها مصلحة النظام والولايات المتحدة ازاء دول المنطقة والتي لم تعد مجدية بالنسبة للولايات المتحدة وانتفاء الحاجة لها بعد الان ، بسب المتغيرات الدولية على الساحة العالمية وضرورة حسم الصراع بنفسها شرق اوسطيا حيث لا مكان للوكيل الاقليمي في مثل هذا الظرف الحساس والمصيري ، بالاضافة لقطع الطريق امام المخططات المشابهه لما يحصل في افريقيا ، علما ان ذلك التحول بالموقف الايراني له انعكاساته الخطيرة على من سار بركابها وآمن بأفكارها وما سوقته من توجهات أغرت الاخرين بها ، حيث سيجدون أنفسهم مفلسين من كل ذلك وفريسةً سهلة ودون حماية او غطاء امام تلك المتغيرات وسيصبحون بلا راعي ولا داعم وعبارة عن جمع مسلح لا حول له ولاقوة وبلا هدف حقيقي وخاضع للذوبان والتلاشي بعد ان تم سحب البساط من تحتهم وتركهم يواجهون مصيرهم لوحدهم وسط ذهول وخوف وقلق غير مسبوق فرضتها طبيعة الاحداث والموقف الامريكي الغامض ازائهم ، كما ان الاتفاق الأميركي الإيراني تضمن في جزء منه التوقف عن إمداد روسيا بالمسيرات ، والذي لا يعني بالضرورة تخلي إيران عن علاقتها بروسيا ، فما زالت علاقة موسكو وإيران الورقة التي يوظفها كل منهما للمناورة والتفاوض مع واشنطن ، وان الذي يجري الان هو بمثابة تهيئة مسرح الاحداث لحسم الصراع كلاً على طريقته لتقوية موقفه عندما تحين ساعة وللحظة جلوس الكبار لوضع التفاهمات الجديدة لمناطق النفوذ والسيطرة حول العالم وبالاخص في افريقيا والشرق الاوسط .