أحمد عبد الباسط الرجوب
في قراة لتواتر التصعيد الاسرائيلي على الحدود اللبنانية والذي يظهر للعيان وبوضوح بان الوضع يمكن وصفه بالمتوتر والساخن ، ولكنّ الجليّ الواضح بان تل ابيب تتعمد تسخين الوضع على نحو غير مسبوق وبشكل أوحى للكثير من المتابعين من المراقبين والخبراء أنّ إسرائيل بصدد التحضير لعدوان واسع على لبنان … وتسخين الاحداث برز مؤخرا من التعاطي بملفي الجدار الإسمنتي الإسرائيلي المخالف لمفهوم الخط الأزرق ” الاممي ” الحدودي الوهمي والبلوك التاسع النفطي في مياه لبنان البحرية … وفي زاوية اخرى دور العقوبات الامريكية على حزب الله والتي من شأنها ابقاء الباب مواربا على كل الاحتمالات التصعيدية وقيام اسرائيل بحرب جنونية على لبنان وبتواطؤ امريكي مسنود من بعض دول الاقليم ، الامر الذي اسعرضنا بالشرح المآلات المصاحبة لهذا التصعيد وعلى نحو كما يلي:
(1)
البلوك التاسع النفطي اللبناني والجدار الاسمنتي الاسرائيلي
بداية التوتر اطلقها الارهابي وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان ليصف منح لبنان عطاءات للتنقيب في البلوك التاسع النفطي اللبناني الواقع على الحدود البحرية بين لبنان والاراضي الفلسطينية التي تحتلها اسرائيل منذ العام 1948 بالامر “الاستفزاي” جداً وحض الشركات العالمية على عدم تقديم عروضها مدعياً ان البلوك رقم 9 هو ملك لإسرائيل وليس للبنان ، وقد اتي حديث ليبرمان قبل ما يقارب اسبوع على إعلان الدولة اللبنانية توقيع العقود مع تحالف الشركات النفطية العالمية التي حصلت على رخصتيّ استكشاف وإنتاج النفط في الرقعتين 4 و9 من المياه البحرية اللبنانية ،… وفي هذا السياق وفي صلف غير مسبوق اعتبر ليبرمان بأن لبنان في طرحه عطاءات استكشاف البترول والغاز في هذه الحقول يمثل تحديا سافرا وسلوكا استفزازيا لهم في دولة الكيان، والشركات التي تقدم عروضا في المناقصة ترتكب خطأ فادحا لأن هذا يخالف جميع القواعد والبروتوكولات في حالات مثل هذه”. وهدد ليبرمان بأن ” لبنان كله سيدفع ثمن تمدد ايران في حال اندلاع حرب “، معتبرا ان حزب الله ضحى بالمصالح القومية للبنان بالخضوع كاملاً لايران، ولذا فإن البلاد كلها ستكون هدفاً مشروعاً في أي حرب مقبلة.
وامعانا بالتوقيت الذي أطلق الكيان تهديده للدولة اللبنانية، نرى بانه ” اي الكيان الصهيوني ” قد فعل فعلته مع اقتراب تلزيم التنقيب عن الغاز اللبناني مستغلاً حالة التنازع الداخلي اللبناني حول بعض المواقف والسلوكيات والعلاقات البينية، وتزامن ذلك مع قيام اسرائيل في بناء الجدار الفاصل على حدود لبنان الجنوبية ” وهو ما اكدت عليه قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) إن أعمال البناء تجري على الجانب الإسرائيلي ” … وهنا فقد تصوّرت إسرائيل بأن لبنان المنشغل بنزاعاته الدخلية السياسية سينشغل عن اعتداءاتها، ولكن ما حصل كان خلاف ما توقعت وأبدى لبنان وحدة إجماعاً وطنياً في مواجهة التهديد الإسرائيلي لثروته النفطية والأهمّ في الردّ اللبناني ما تضمّنه من جهوزية لبنان للدفاع عن حقوقه بكلّ الوسائل المتاحة بما فيها خيار المقاومة … وللتذكير هنا في هذا الجانب فلو كان لبنان ضعيفاً متفسّخاً كما كان في العام 1982 لشنّت إسرائيل الحرب العدوانية عليه، حتى من دون تحذير أو تهديد، أما لبنان القوي اليوم بشعبه وجيشه ومقاومته فهو منيع محصّن ضدّ العدوان، ما يؤكد ببساطة انّ هذه القوة تمنع وتردع إسرائيل عن ارتكاب أيّ حماقة ضدّه…وفي هذا السياق فقد أكد المجلس الأعلى للدفاع في لبنان، في اجتماعة بتاريخ 7 فبراير / شباط 2018، استمرار التحركات على كافة المستويات الإقليمية والدولية للدفاع عن حقوق البلاد النفطية، معتبرا أن الجدار الإسمنتي الذي تنوي إسرائيل إقامته عند الحدود الجنوبية “سيعدّ اعتداء على الأراضي اللبنانية” وسيعد خرقــا واضحا للقرار الصادر مجــلس الأمـــن الدولـي رقم ” 1701 “.
عملياً الوضع الميداني يغلي منذ أشهر، ففي حين ينخرط الجيش الإسرائيلي في أوسع مناورات داخل طرقات ومجسمات لقرى كاملة أقامها لتحاكي الوضع في جنوب لبنان وهو بصدد التحضير لعدوان واسع على لبنان لتعويض ما فاته في العام 2006، في المقابل يراكم حزب الله قوته الصاروخية، وهو ما يتحدّث عنه دائماً امين عام الحزب حسن نصر الله في الكثير من المناسبات… في ظل هذه الظروف البالغة التعقيد فإننا نرى بأن قرع الطبول العسكرية والتراشق بالتهديدات عبر حدود لبنان الجنوبية، في ظل مخاوف محسوبة جيداً عند لبنان ممثلا بحزب الله وعند الإسرائيليين وبما يمكن أن يشعل مواجهة جديدة بين الطرفين هو احد السيناريوهات (الخيارات) التالية:
يبدو لي بأن اي اقدام اي من الطرفين على خطوة ميدانية متهورة وغير محسوبة على جانبي الحدود التي تبدو الآن – وسط التصعيد المستمر منذ حرب تموز 2006 وازداد سخونة منذ ما يقارب السنة واشتدت ضراوة هذه الايام – أشبه ببرميل بارود يمكن أن ينفجر لمجرد إشعال عود ثقاب، وهو ما يحرص الطرفان على عدم الانزلاق إليه – وهو الذي تحرص عليه الادارة الامريكية الحالية – ، لهذا تبدو التهديدات النارية وكأنها تنطوي على خوف ضمني من الحرب، وهو ما يفرض اللجوء الواضح إلى التخويف والترهيب من تكاليف هذه الحرب.
قيام اسرائيل على أساس محاولة استغلال أو توظيف التطورات الإقليمية العاصفة كخطوة إسرائيلية محسوبة جيداً ومبنية على رهانات لدى بنيامين نتنياهو، لشن حرب تسوية حساب جديدة مع حزب الله، ومن منطلق المراهنة على أن المتغيرات المتسارعة في التوازنات السياسية الإقليمية تساعد على هذا، وخصوصاً في ظل الأوضاع الملتهبة، ابتداء من التصعيد الأميركي ضد الحزب، وصولاً إلى إيران وعلاقاتها المتوترة علناً على خط واشنطن، والمتأزمة ضمناً على خط موسكو، لأسباب تتعلق بالسباق على الجبهة السورية!
من خلال تباين الردود الاقليمية والدولية على تصاعد وتيرة التهديدات على الجبهة اللبنانية والموقف الرسمي والشعبي اللبناني نصل الى قناعة تامة مفادها بأن إسرائيل تولدت لديها قناعة تامة بأن اعتداءها على لبنان سيواجه الردّ المناسب وأنّ لبنان جاهز بجيشه الذي وجّه لها الإنذار لثنيها عن العدوان في بناء ما تسمّيه الجدار الفاصل وحذرها من الاستحواذ على أراضي لبنانية تحت أيّ ذريعة .. كما نرى بأن إسرائيل غير جاهزة لحرب غامضة الآفاق وغير معلومة النهاية ومجهولة الحدّة في شدة الاشتباك وشدة القتال والمواجهة، وان جبهتها الداخلية لا تستطيع ان تحتمل ردة فعل المقاومة، وفضلاً عن ذلك فإن إسرائيل لم تصل الى حدّ الثقة بجيشها في الميدان في مواجهة المقاومة أو الثقة بقدرته على تحقيق الإنجاز العسكري في الميدان الذي تتحرّك فيه المقاومة…