هل تشهد السعودية تغييراً فعلياً؟

1

سايمون هندرسون

الإعلان الصادر يوم الثلاثاء هذا الأسبوع عن السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة يشير إلى أمر غير عادي من الناحيتين الاجتماعية والسياسية. كما ينطوي على بعد اقتصادي مهم: ففي الوقت الحاضر، يعمل حوالى مليون رجل أجنبي، معظمهم من جنوب آسيا والفلبين، كـ سواق سيارات لدى الأسر السعودية. والآن، لن تكون هناك حاجة إلى الكثيرين منهم.

وربما في استباق لأخبار السادس والعشرين من أيلول/سبتمبر، قال داعية سعودي [الشيخ سعد الحجري] في الأسبوع الماضي إنه يتعين الإبقاء على الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة. وبرّر قوله بأن النساء لا تملكن سوى نصف القوة العقلية للرجال، وحين توجهن إلى التسوق، تقلّص ذلك إلى الربع. وكانت الضجة التي أحدثها تصريحه فورية. فقد مُنع الداعية من إلقاء الإمامة والخطابة وجميع المناشط الدعوية، رغم أنه لا يزال على الأرجح مدرجاً ضمن جدول رواتب الحكومة.

وعادةً ما يُظهر المجتمع السعودي احتراماً لكبار السن ويجلّ، على الأقل، الأئمة المسلمين. ولكن كل ذلك قد يتغيّر. فقرار رفع الحظر أتى ظاهرياً من الملك سلمان، لكن من الواضح أن المحرّك الرئيسي وراء اتخاذ مثل هذا القرار كان نجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ويحاول الأمير الحاذق البالغ من العمر اثنين وثلاثين عاماً تحويل اقتصاد المملكة. وفي هذا الإطار، فإن «الرؤية 2030»، وهي الخطة الكبرى التي أُعلن عنها العام الماضي والرامية إلى دفع اقتصاد المملكة ومجتمعها لمجاراة القرن الواحد والعشرين، تتوقّع اقتصاداً ذو قاعدة صناعية أوسع وأقلّ اعتماداً على النفط. كما أن نظرة الأمير للعادات والتقاليد الاجتماعية أقلّ تحفظاً بكثير. وكانت السلطات السعودية قد سمحت للنساء بحضور احتفال اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية في ملعب رياضي هذا الأسبوع. وينطوي جزء من الخطة الاقتصادية لولي العهد على إنشاء وتطوير منتجعات سياحية على طول ساحل البحر الأحمر، وهو جنة للغواصين. وسيتمّ بناء المنشآت وفقاً لـ “المعايير الدولية”، وهي عبارة يمكن تفسيرها إلى حدّ كبير على أنها لن تسمح بالسباحة المختلطة بين الرجال والنساء فحسب، بل أيضاً بارتداء البيكيني وربما احتساء المشروبات الروحية.

يُذكر أن “التغيير” هو مصطلح يُستخدم بحذر في المملكة. ففي الماضي، كان أي تلميح إلى التقدّم يُقنَّع بعبارة “إصلاح”. ومن الواضح أن السماح للمرأة بقيادة السيارة يكسر هذا النموذج، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه السياسة الجديدة سيُكتب لها النجاح.

وفي الواقع، لم يُطبّق حظر القيادة يوماً بشكل كامل. ففي المناطق الريفية السعودية، تقود نساء القبائل السيارات منذ عقود من الزمن من أجل الاعتناء بالحيوانات وأداء الأعمال الزراعية الأخرى. وفي المدن حيث يعيش عدد كبير من الأجانب، سمحت مجمعات المغتربين للنساء بقيادة السيارة، وينبع ذلك من المعرفة بأنه لا يُسمح للشرطة السعودية، أو حتى بالأسوأ للشرطة الدينية [هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرٍ]، بالتواجد داخل بواباتها. ومن جانبها، سمحت شركة النفط الحكومية السعودية “أرامكو”، للنساء بقيادة السيارة داخل مجمعاتها السكنية المبنية وفقاً للأسلوب الأمريكي منذ أن كانت تمتلكها شركات نفط أمريكية.

وقد يعود فضل هذا الإنجاز إلى ولي العهد، ولكن سبق أن تمّ إعداد الأرضية اللازمة بشكل جيد. وكانت النساء السعوديات الشجاعات قد تعرضن للتوقيف خلال التظاهرات الجماعية المنظمة، على الأقل منذ تسعينيات القرن الماضي. وفي عام 2005، شكّلت مقابلة باربرا والترز مع الملك عبدالله قضيةً حية من جديد حين قال: “أعتقد أن اليوم الذي ستقود فيه المرأة السعودية السيارة في بلادها سيأتي، فالأمر يمكن أن يعمم ولكنه يحتاج شيئاً من الصبر والتدرج”. وكان الشخص الذي كبَحَ هذا الطموح في ذلك الوقت هو الأمير الراحل نايف، الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الداخلية في عهد الملك عبدالله ومنافسه في الوقت نفسه، حيث اشتهر بادعائه بأن اليهود هم الذين وقفوا وراء هجمات 11 أيلول/سبتمبر. وتُعرف إبنة الملك عبدالله، الأميرة عادلة، بأنها تدعم قيادة المرأة للسيارة.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كانت العائلة المالكة ستمضي قدماً في قرارها هذا. فستمر عدة أشهر قبل أن تبدأ النساء بالقيادة فعلياً وبشكل قانوني. وسيتوجب عليهن التقدم بطلب الحصول على رخص قيادة ومن ثم يُفترض بهن أن يأخذن دروساً في القيادة. وقد تحتاج المملكة إلى شرطة مرور من النساء [إمرأة المرور] أيضاً. هذا وتبقى تفاصيل أخرى تقتضي التوضيح. فهل ستحتاج النساء إلى إذن أحد الأقارب من الذكور للحصول على الرخصة؟ (علماً أن السفير السعودي في واشنطن الأمير خالد بن سلمان أعلن في السادس والعشرين من أيلول/سبتمبر أن المرأة لن تحتاج إلى إذن وليّها لاستخراج رخصة قيادة). وهل سيُسمح للمرأة بقيادة سيارة يتواجد فيها رجل لا تجمعه بها صلة قرابة؟ هل يمكن أن تكون المرأة على استعداد للانتظار؟

وفي الإطار الاجتماعي والسياسي الأوسع نظاقاً، من شأن هذا الإجراء أن يقلّص بشكل أكبر سلطة الدعاة المحافظين الذين يتمتعون بسلطة مؤسسية لكن مهددة على نحو متزايد. كما أنه يضعف الهيكل الاجتماعي التقليدي حيث يتولى الرجال كبار السن إدارة مسائل العائلة. إن مخالفة النساء لكلمة الأب أو الجد داخل البيت هي شيء، أما أن يُنظر إلى الأب أو الجد على أنه فقد احترام الأسرة الكامل خارج منزله فهو شيء آخر.

تجدر الإشارة إلى أن هذا الأسلوب الجديد لقيادة محمد بن سلمان هو مزيج من الطاقة والصراحة والقوة. إنها جرأة إلى حدّ خطير. فعند تعيينه وزيراً للدفاع في عام 2015، سرعان ما اضطلع بدور مهندس الحرب في اليمن. وبعد مرور أشهر قليلة، وبعد أن تمت ترقيته وأصبح نائباً لولي العهد، أعلن عن «الرؤية 2030» و”خطة التحوّل الوطني” [“برنامج التحول الوطني”] القصيرة الأجل. كما شهد هذا الصيف الخلاف الدبلوماسي مع قطر، عندما أصبحت المملكة وحليفتها، الإمارات العربية المتحدة، منزعجتان أخيراً من تفرّد هذه الدولة المجاورة على المستوى الدبلوماسي.

ومع ذلك، أصبح اليمن الآن في مأزق، كما يتمّ تعديل “خطة التحوّل الوطني” بعدما اعتُبرت أهدافها طموحة جداً، ووصلت الأزمة مع قطر إلى طريق مسدود. وفي ظل هذه الظروف، ما هي فرص مرور مبادرة قيادة النساء بسلاسة ومن دون عقبات؟

في ما مضى، كان يمكن وصف السعودية على أنها تحالف بين بيت آل سعود والمؤسسة الدينية الوهابية. ويعود تاريخ هذا التحالف إلى عام 1745 حين توافق زعيم أحد القبائل، وهو محمد بن سعود، مع داعية يدعى محمد بن عبد الوهاب، وقرّرا توحيد قدراتهما القتالية وحماستهما الدينية من أجل غزو شبه الجزيرة العربية وتطهيرها. غير أن نفوذ الأئمة تضاءل مع مرور السنين، لكن الملوك السعوديين لا يزالون يدركون أن دورهم كخدام الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة هو أكثر أهمية بكثير من زعامتهم للعالم العربي أو كون بلادهم أكبر دولة مصدرة للنفط. ومن هنا تنطلق مساعيهم وجهودهم الهائلة في الحرص على أن يكون موسم الحج، حين يتدفق ملايين المسلمين إلى المملكة، سلساً وخالياً من العقبات.

وأدرك الأئمة المتطرفون أنهم لن يكونوا بمنأى عن العقوبات الرسمية عندما تمّ توقيف عدة أشخاص منهم في وقت سابق من هذا الشهر بسبب عدم إظهارهم دعماً كاملاً للسياسة المعادية لقطر. وكانت المؤسسة الدينية مترددة في إظهار أي انتقاد للملك سلمان ومحمد بن سلمان، مترقبةً على الأرجح أزمةً أو انتكاسةً سياسية تمكّنهم من القول “سبق أن حذرناك من هذه التداعيات”.

وقد يبدو حق المرأة في القيادة عديم الأهمية بالنسبة لبقية العالم، لكن بالنسبة للسعودية التي تقود تغيّراً اقتصادياً في وقت تتراجع فيه أسعار النفط وتواجه البلاد مشاكل دبلوماسية في اليمن ومع قطر، قد يشير هذا الحق إلى تحول وطني فعلي. أو قد يكون بمثابة “القشة التي قصمت ظهر البعير”.

 

التعليقات معطلة.