فاضل المناصفة- العرب
اتخذت حركة حماس مؤخرا قرارا بالإجماع يخص عودة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، بعد قطيعة دامت عشر سنوات، رفعت فيها الحركة في بداية الأحداث علم الثوار بعد أن ضمت صوتها للمشروع القطري الرامي لتوسيع المد الإخواني، ولعلنا نتذكر كلمة إسماعيل هنية في جامعة الأزهر بالقاهرة في فبراير 2012، التي حيّا خلالها الشعب السوري الطامح إلى الحرية والديمقراطية، وكان ذلك إعلانا رسميا عن توجه الحركة لدعم “ثوار” سوريا بعد أن كانت الأوضاع حينها توحي بأن سقوط الأسد قد أصبح وشيكا أكثر من أي وقت مضى.
بعد أن أفرزت الأحداث تفوق الأسد رضخت حماس للأمر الواقع، وراحت تبحث عن عودة قياداتها إلى دمشق، ولكن محاولاتها قوبلت بالرفض في أكثر من مرة وأكثر من مناسبة. حيث أصر الموقف الرسمي السوري الذي كان يصرّح به إعلاميون مقربون من النظام للوكالة السورية للأنباء (سانا)، على أن حماس وإن كانت حركة مقاومة ضد الاحتلال، إلا أن السلوك الإخواني الغادر يغلب على تصرفاتها. وحتى مع إعلان حماس عن عودة التطبيع مع النظام السوري، كان الرد الرسمي من دمشق تعقيبا على هذه الخطوة، يوحي بأن هذه المصالحة من طرف واحد.
تصرّفت حماس بحذر مع بداية الأحداث في سوريا، وأصرت على الاختباء في ثوب المحايد حتى تتضح الرؤية، وبعد أن تحولت الأحداث إلى عنف مسلح، عندما تدفق السلاح في أيدي المعارضة السورية وسقطت العديد من المناطق في أيدي “الجيش الحر”، أصبحت العلاقة مع النظام السوري تشكل عبئا على حماس، خاصة مع اشتداد عزلة النظام السوري عربيا. هنا أدركت حماس أنه يتوجب فعل أي شيء لضمان تموقع جديد في سوريا بعد سقوط الأسد الذي بدا وشيكا.
وهي خطوة مهّدت لها حماس من خلال سحب ممثليها في دمشق، بذريعة أن الأوضاع الأمنية لا تسمح ببقاء القيادات السياسية في سوريا. وتجنب رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، في تلك الفترة مقابلة الرئيس السوري قبل مغادرته دمشق، قائلا إن المقابلة لن تكون مجدية. وبرّر مشعل انسحاب حماس من سوريا بانزعاج النظام السوري من الحركة التي لم تتخذ موقفا واضحا في صالح النظام، في حين أن الحركة لا تريد أن تصطف مع طرف ضد آخر.
وخلال احتفالات حركة حماس بالعيد الخامس والعشرين لانطلاقتها ظهر خالد مشعل حاملا علم المقاتلين السوريين ردا على حملة مداهمة قامت بها قوات النظام السوري على مكتب الحركة في دمشق ومنزل رئيس المكتب السياسي لها.
كانت كل الأمور تسير في الاتجاه الذي سلكته حماس وكان يبدو أن الحرب في سوريا ستفرز مشهدا سياسيا جديدا إلى أن جاء الدعم الروسي ليقلب المعادلة رأسا على عقب ويتغير المشهد في الداخل السوري بما فيه المشهد خارجها. أدركت حماس حينها أنها اقترفت خطأ استراتيجيا في تعاملها مع النظام السوري، وصار لزاما على القيادة الجديدة إصلاح ما أفسده مشعل، وظهرت مفردات جديدة في وصف ما يجري في سوريا، إذ تحول الخطاب الرسمي في الحركة من حديث عن دعم الشعوب التي تبحث عن الديمقراطية ووقف إراقة الدماء إلى الحديث عن مخطط فتنة بأيادٍ خارجية وقعت فيه سوريا.
كان الهدف تفتيت وحدة الدولة وإضعاف محور المقاومة، وراحت حماس تحاول البحث عن وساطة إيران في تقريب وجهات النظر مع دمشق لعلها تنجح في العودة إلى دمشق كما كانت سابقا، ولكن النظام السوري قد حكم على تصرف الحركة بالخيانة بعد أن احتواها لسنين ووفر لها كل وسائل الدعم ليجدها تصطف مع تركيا وقطر في مشروع أخونة سوريا، الذي لو نجح لكانت حماس أول المباركين له، ذلك لأن وجود دولة بشعار إسلامي في سوريا سيجعلها بيئة خصبة لتمدد حماس مع العالم الخارجي وسيسهل عليها بناء جناح عسكري صلب ومترابط جغرافيا مع حزب الله وإيران المتواجدة في العراق.
بعد أن اتجهت تركيا نحو فتح عهد جديد من العلاقات مع إسرائيل أدركت حماس ضرورة التحرك خارجيا، لتظهر لإسرائيل أن الحركة جاهزة للتأقلم مع الظروف الإقليمية الجديدة التي أفرزها التطبيع والتقارب مع تركيا. وها هي حماس اليوم تتحدث عن عودة علاقاتها مع دمشق، وعن وجود نية لرأب الصدع في علاقاتها مع السعودية والأردن. كما تحركت نحو موسكو لعلها تستثمر في جمود العلاقات بين روسيا وإسرائيل.
ولكن، غياب رد رسمي سوري في مسألة عودة العلاقات بين الحركة والنظام يكشف أن سوريا لا ترغب في ود حماس، ولا تبحث عنه. بل ربما يكون سعي روسيا إلى إحداث تقارب بين دمشق وغزة مجرد تمثيلية، رغبة منها في خلط أوراق إسرائيل وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط. وإلى أن يصدر رد رسمي من دمشق بمباركة التطبيع مع حماس ستبقى عودة الحركة إلى مكاتبها في دمشق معلقة إلى إشعار آخر.