قسم الصحه

هل تصبح مستشفيات لبنان أهدافاً عسكرية في هذه الحرب الممنهجة؟

هل تصبح مستشفيات لبنان أهدافاً عسكرية في هذه الحرب الممنهجة؟

ليلي جرجسالمصدر: النهارتواصل إسرائيل استهدافاتها بهمجيتها المطلقة تحت الذريعة نفسها، وتدعي بوجود أسلحة في بعض المباني السكنية بغية تحويلها إلى رماد. إنها تحتاج إلى ذريعة حتى لو كانت واهية لتبرير أفعالها الوحشية. وما سُكت عنه في غزة قد يتكرر في لبنان، حتى لو بصورة مصغرة، وبالتالي، ثمة خوف متفاقم على القطاع الصحي اللبناني.08-10-2024 | 16:30

هل تصبح مستشفيات لبنان أهدافاً عسكرية في هذه الحرب الممنهجة؟كاريكاتور علي خليلA+A-

تتشابه مشاهد غزة مع ما تعيشه بعض المناطق اللبنانية من دمار وقتل ورائحة الموت التي تعبق في كل مكان. لم تجف الدماء بعد في بعض الأحياء السكنية والمباني. تواصل إسرائيل استهدافاتها بهمجيتها المطلقة تحت الذريعة نفسها، وتدّعي وجود أسلحة في بعض المباني السكنية بغية تحويلها إلى رماد. إنها تحتاج إلى ذريعة حتى لو كانت واهية لتبرير أفعالها الوحشية. وما سُكت عنه في غزة قد يتكرر في لبنان، حتى لو بصورة مصغرة، وبالتالي، ثمة خوف متفاقم على القطاع الصحي اللبناني.

لم تسلم بعض المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية والعاملين فيها، من الإستهداف الإسرائيلي الممنهج والمتواصل. إنها حرب من نوع آخر، الضغط العسكري بهدف إخراج بعض المستشفيات عن الخدمة بشكل كامل.

اشتد الحصار. وضاقت السبل أمام إبقاء مستشفيات الخط الأول في الجنوب صامدة. ثم حدث ما كان متوقعاً. وجرى الانتقال إلى “الخطة ب” التي تتضمن إجلاء المرضى والتوقف عن العمل جزئياً أو كلياً بحسب موقع كل مستشفى.

وحتى لحظة كتابة المقال، سقط 102 شهيد في القطاع الصحي و225 جريحاً، واستُهدفت 9 مستشفيات و45 مركزاً طبياً، بالإضافة إلى 128 سيارة إطفاء أو إسعاف.

لا شيء يوقف هذا الإجرام، لا الأعلام البيضاء التي ترفعها سيارات الإسعاف ولا إشارة الطبيب التي يحملها أينما توجه. خطة إسرائيل واضحة، ونتذكر جيداً المجازر التي ارتكبتها في مستشفيي المعمداني والشفاء في غزة. وثمة خوف من تكرار هذا السيناريو في لبنان.

فداحة أرقام الموت

في موازاة ذلك، يشير وزير الصحة فراس الأبيض إلى أنه في الأيام الثلاثة الماضية ( قبل 3 تشرين الأول/ اكتوبر)، سقط أكثر من أربعين شهيداً من العاملين في سيارات الاسعاف والإطفاء، فيما أُصيب 188 وتعرّض 45 مركزاً صحياً لأضرار جسيمة.

ارتفاع وتيرة القصف بهذا الجنون دفع بإدارات مستشفيات مرجعيون، وميس الجبل وبنت جبيل الحكومية إلى إغلاق أبوابها موقتاً وإجلاء المرضى إلى مستشفيات تعتبر آمنة أكثر.

في المقابل، تناقلت مواقع التواصل الإجتماعي أنباءً عن خروج مستشفيي سانت تريز والرسول الأعظم عن الخدمة، ثم تبين أنها أخبار غير صحيحة. وما زال المستشفيان يعملان بشكل طبيعي برغم من القصف الإسرائيلي القريب منهما.

ووسط التخبط الحاصل والتخوف المتزايد من تردي الأوضاع أكثر، يبقى السؤال الأهم: ما الذي ينتظر المستشفيات في حال واصلت إسرائيل عدوانها المتمادي؟

بكلمات صريحة، تناول نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون تلك المعطيات، “تحدثت سابقاً عن أن ما يقلقنا يتمثّل بأن يتكرر سيناريو غزة في لبنان. لم تتعرض المستشفيات لاستهداف مباشر، إلّا أن العدوان المستمر دفع ببعض المستشفيات في المناطق الجنوبية عند خط النار، إلى إجلاء مرضاها كخطوة احترازية إلى مستشفيات أكثر أماناً. في حين شهدت مستشفيات أخرى اقتراب القصف منها ما تسبب بأضرار مادية إلى جانب تعرّض المرضى والعاملين فيه إلى الخطر، وبالتالي جرى إخلاؤها حفاظاً على الأرواح. ولا يعني ذلك أنهم خارج الخدمة، إذ ما زالت المستشفيات تتلقى الحالات الصحية الطارئة”.

سيارة إسعاف محطّمة في الهبارية (أحمد منتش)

أطفال خدج لا يتعدى وزنهم الكيلوغرام

يؤكد مدير مستشفى “إس تي إم سي” STMC، أي سانت تريز سابقاً، الدكتور فادي هاشم أن “المستشفى ما زال يعمل ولن نتوقف عن تقديم الخدمة. تُعطى الأولوية اليوم للحالات الطارئة والعمليات لكن لا صحة لأي معلومات حول خروج المستشفى عن الخدمة. صحيح أننا تلقينا ضربات قريبة جداً من محيط المستشفى وتسببت بأضرار كبيرة فيه، إلا أننا عملنا على إصلاحها سريعاً لمواصلة رسالتنا الإنسانية تجاه المرضى”.

ومع ذلك، يأمل هاشم في أن يُبعد القطاع الصحي ومستشفياته عن الحرب القائمة. ويوضح، “لقد عشنا ليلة مرعبة الأسبوع الماضي بعد أن وصل القصف إلى قرابة 80 متراً منا. وإضطررنا إلى نقل المرضى والأطفال الخدج الذين لا يتعدى وزنهم الكيلوغرام الواحد، مع إبقائهم موصولين على أجهزة التنفس الاصطناعي. الحمد لله نجحنا في التعامل مع الوضع ولم يُسجل لدينا أي حادثة”.

ويخلص هاشم إلى القول، “لن نتوقف عن العمل حتى لو تهدم نصف المبنى، سنبقى نعمل حتى الرمق الأخير. ولن أدع أحداً يوقف عمل المستشفى”.

وفي المقابل، يتخوف هارون أن نشهد سيناريو غزة في لبنان فتُستهدف المستشفيات بشكل مباشر. ويوضح، “عندها ستكون كارثة، وسيحصل لنا ما حصل في غزة. نعيش كل يوم بيومه ولا يمكن التبؤ بما نحن مقبلون عليه. الحوادث تتطور بشكل كبير ومختلف وتُعاكس توقعاتنا. ولم نتصور أن ينزح أكثر من مليون نازح في هذا الوقت القصير، ونحن نبحث آلية علاجهم ومتابعتهم صحياً”.

أزمة إمدادات وطاقة بشرية محدودة؟

في مقلب آخر، تواجه المستشفيات مشكلة أساسية تتمثل في صعوبة استيعاب مرضى غسيل الكلى والعناية الفائقة والأجهزة الاصطناعية مع وصولها إلى أقصى حدود قدرتها الاستيعابية، فيما عدد الأسرّة محدود فيها. أما باقي الأقسام فلا وجود لأي عوائق أو صعوبات فيها.

ويكمن الهاجس الأكبر الذي يؤرق هارون في حصار البلد، وما تبقّى من أدوية ومستلزمات طبية تكفي لمدة شهر ونصف تقريباً، ومن بعدها ستنقص تباعاً. وفي ظل توقف الشحن الجوي على بيروت، بدأت المخاوف تتزايد بشأن الأيام المقبلة. وبحسب هارون، “صحيح أن لبنان تسلم مساعدات طبية من أكثر من دولة، إلا أننا نعرف جيداً انها لا تكون كافية في مثل هذه الظروف. ناهيك عن استنزاف قدرات الطواقم البشرية التي تعمل تحت ضغط كبير وفي عمل متواصل، والتي قد تصل إلى مرحلة تعجز عن استكمال مهماتها بهذا الشكل”.

ويتشارك هذه المخاوف نفسها الدكتور هاشم الذي يعرف جيداً أن الحرب الطويلة تعني استنزاف الإمدادات والمستلزمات الطبية، وكذلك الطواقم البشرية التي تجد نفسها مقيَّدة في عملها وبالأدوات التي بين يديها. سعت المستشفى إلى تخزين كل ما تحتاجه في الأشهر الماضية السابقة لكن كل شيء يعتمد على طول مدة الحرب وقساوتها في الأيام المقبلة.

ولا يُخفي أن ما نشاهده اليوم مختلف تماماً عن الحروب السابقة، بدءاً من انفجارات أجهزة الـ”بايجرز” واللاسلكي ووصولاً إلى الاستهدافات العسكرية. ويضيف هاشم، “إنها حرب مختلفة. ونحن نشعر بها لأننا نلمسها على أرض الواقع مع المصابين والجرحى. ويعاني المرضى العاديون من الحرب بشكل مباشر، ويضطرون إلى تأجيل عملياتهم الجراحية خوفاً من الاستهدافات التي تطاول المنطقة”.

وحتى الساعة، تستمر المستشفيات في تأدية عملها البطولي. ولكن إلى متى يمكن للقطاع الصحي الصمود أمام الهمجية الإسرائيلية وعدوانها المتمادي؟