اخبار سياسية

هل تصمد هايلي أمام إعصار ترامب في نيوهامبشير؟

صورة من الأرشيف للرئيس السابق دونالد ترامب وسفيرته إلى الأمم المتحدة نيكي هايلي (أ ب)

“تعلمون أنّ أيوا تطلقها. تعلمون أنّكم تصحّحونها”. حين قالت المرشّحة الجمهوريّة إلى الانتخابات الرئاسيّة التمهيديّة نيكي هايلي لمؤيّديها في ولاية نيوهامبشير إنّهم يصحّحون تصويت ولاية أيوا، تلقّت انتقاداً من منافسها المنسحب مؤخّراً من السباق رون ديسانتيس. قال ديسانتيس إنّ ادّعاء هايلي لا يحترم ناخبي أيوا، فردّت بأنّ الأمر لا يعدو كونه تبادل نكات شائعاً بين الولايات التي تشهد انطلاقة السباق نحو البيت الأبيض.

مع ذلك، كانت هايلي محقّة إلى حدّ بعيد. نادراً ما انتخبت نيوهامبشير المرشّح نفسه الذي اختارته أيوا منذ انطلاق الانتخابات التمهيديّة الأولى بهذا الترتيب في سبعينات القرن الماضي. على الضفّة الديموقراطيّة، ومع وضع شاغلي المنصب لدى الترشّح لفترة رئاسيّة ثانية جانباً، اتّفقت الولايتان في ثلاث حالات فقط. اختارت الولايتان جيمي كارتر الذي أصبح الرئيس الديموقراطيّ سنة 1976 وآل غور الذي أصبح المرشّح الديموقراطيّ الرسميّ سنة 2000، وجون كيري الذي نال البطاقة نفسها سنة 2004. على الضفّة الجمهوريّة كان الأمر محسوماً. منذ سنة 1976، مجدّداً مع وضع شاغلي المنصب جانباً، لم تتّفق الولايتان قطّ على مرشّح واحد. يعود ذلك إلى اختلاف الفئات الناخبة بين الولايتين حيث يهيمن (نسبياً) المحافظون على الأولى والوسطيّون وحملة الشهادات الجامعيّة على الثانية.

إذاً هل ستختار نيوهامبشير هايلي بدلاً من ترامب؟

باستثناء مفاجأة من العيار الثقيل ستتطرّق إليها الأسطر اللاحقة، لا. في البداية، يخوض ترامب السباق كشاغل لمنصبه تقريباً، ما يمنحه أفضليّة كبيرة. كسب ترامب ولاية نيوهامبشير سنة 2016 (بعدما فاز تيد كروز بأيوا). في ذلك الوقت، فاز ترامب بنحو 35 في المئة من الأصوات، بينما كسب الثاني (جون كاسيتش) 15.7 في المئة والثالث (كروز) 11.6 في المئة. نسبياً، كان تفوّق ترامب واضحاً. هذا يعني أنّ الرئيس السابق يجد نفسه في ولاية يعرفها وتعرفه جيّداً.

من جهة أخرى، يبدو أنّ ترامب يحمل زخم انتصاره في أيوا إلى نيوهامبشير. تؤكّد استطلاعات الرأي ذلك. منذ انطلاق الحملات الانتخابيّة في الولاية الثانية، تظهر جميع الاستطلاعات توسيع ترامب للهامش الذي يفصله عن هايلي. بحسب متوسّط استطلاعات “فايف ثيرتي أيت”، توسّع الفارق بين المرشّحين منذ 15 كانون الثاني، تاريخ المؤتمرات الحزبيّة في أيوا، من 12.1 في المئة إلى 13.7 في المئة. وبحسب متوسّط “ريل كلير بوليتيكس” تبدو الأرقام أكثر إثارة للانتباه: يتجاوز معدّل الفارق بين المرشّحين 17.4 في المئة بعدما كان 13.2 في المئة. يضاف إلى كلّ ذلك، أنّ ترامب تجاوز مؤخّراً فقط حاجز الـ50 في المئة في معدّلات “ريل كلير بوليتيكس” ووصل إلى أكثر من 54 نقطة. للتذكير، هو فاز في أيوا بـ52 في المئة من الأصوات.   

حتى هايلي تأخذ كلّ ذلك بالاعتبار. هي نفسها لا تتحدّث بثقة المنتصر في نيوهامبشير. لا تزال هايلي ترفض مهاجمة ترامب بقوّة كما يفعل هو معها، خوفاً من أن تبعد قسماً من الجمهوريّين. وذلك يحبط بعض من يريدون جرأة أكبر في انتقاده. حصل ذلك حتى بعدما التبس الأمر على ترامب فظنّ أنّ هايلي كانت المسؤولة عن أمن الكابيتول خلال أحداث 6 كانون الثاني 2021، بدلاً من رئيسة مجلس النوّاب حينها نانسي بيلوسي، علماً أنّه كرّر اسمها مراراً وهو يتحدّث عن تلك الواقعة. استدعى ذلك ردّاً من الرئيس جو بايدن على موقع “أكس” جاء فيه: “لا أوافق هايلي في كلّ الأمور، لكنّنا نوافق بشدّة على هذا: هي ليست نانسي بيلوسي”.  

ورفضت هايلي أيضاً إجراء مناظرة على الإعلام المحلّيّ في الولاية ما دام ترامب قد رفض الظهور، ما ترك بعض الناخبين مستائين. لكن ربّما منحها انسحاب ديسانتيس لاحقاً شرعيّة لادّعائها بأنّ السباق منذ ما قبل أيوا حتى، كان ثنائياً، وبالتالي لم يكن من داعٍ لمناظرته. لكنّ مراقبين في الإعلام المحافظ، كـ”واشنطن إكزامينر“، أو الإعلام الليبراليّ كـ”واشنطن بوست” لاحظوا أنّ السباق يفقد زخمه. وهي قالت مؤخّراً إنّها تريد نهاية “قويّة” في الولاية بدلاً من القول إنّها تريد المركز الأوّل. لكنّ البعض يعتقد أنّ المركز الثاني “ليس جيّداً بما يكفي” ما دامت ستتوجه لاحقاً إلى ساوث كارولاينا حيث تشبه توجّهات الناخبين هناك توجّهات نظرائهم في أيوا.

ماذا عن المفاجأة المحتملة؟

ثمّة ملاحظة عن استطلاعات الرأي الأخيرة بشأن تقدّم ترامب. النتائج متباينة جداً في عدد كبير منها. على سبيل المثال، تضع نتائج “بوسطن غلوب/جامعة سوفولك/أن بي سي” تقدّم ترامب عند 19 في المئة. تجري الجهة نفسها استطلاعاً يومياً وهو ثابت تقريباً منذ أسبوع.

ويضع آخر استطلاع لـ”إنسايدر/أدفنتاج” بعد انسحاب ديسانتيس الذي أعلن دعمه للرئيس السابق تقدّم ترامب بـ27 نقطة. ويصل الفارق إلى 18 نقطة وفق استطلاع “واشنطن بوست/جامعة مونموث”.

لكنّ استطلاع “سي أن أن/جامعة نيوهامبشير” الأخير يضع ترامب في المقدّمة مع هامش يصل إلى 11 نقطة فقط، علماً أنّ الاستطلاع السابق الذي أجري أوائل الشهر الحاليّ أظهر ترامب متقدّماً بـ7 نقاط.

أمّا استطلاع “أميركان ريسيرتش غروب” فيظهر ترامب متفوّقاً بنقطتين فقط، بعدما أظهرهما في وقت سابق متعادلين. 

إذاً ثمّة فروقات كبيرة في تلك الاستطلاعات لم تكن حاضرة قبل مؤتمرات أيوا. فوز ترامب بعشرين نقطة لا يشبه فوزه بنقطتين أو بخمس. بهذا المعنى، إذا خسرت هايلي ببضع نقاط فستحصل على فرصة تمتدّ على مدى شهر تقريباً للعودة إلى الولاية التي حكمتها سابقاً وبناء حملة مكثّفة هناك.

وسرد المرشّح السابق إلى انتخابات مجلس الشيوخ عن نيوهامبشير فيكرام مانشارماني طرفة شائعة عن الولاية ليظهر كيف أنّ ناخبيها يدرسون مطوّلاً خياراتهم قبل اتّخاذ القرار في اللحظات الأخيرة. تقول الطرفة إنّ مراسلاً سأل ناخباً عن خياره بشأن مرشّح. يقول الناخب: “لا أعلم بعد. لقد التقيت بالمرشّح أربع مرّات وحسب”. ولفت مانشارماني النظر إلى أنّ الناخبين في الولاية يتوزّعون بين جمهوريّين وديموقراطيّين، 30 في المئة لكلّ من الحزبين، و40 في المئة من المستقلّين، ما يصعّب حسم التوقّعات سلفاً.

بالفعل، أظهرت الولاية قدرتها على المفاجأة في اللحظات الأخيرة. على سبيل ذكر بعض الأمثلة الحديثة نسبياً، تمكّنت هيلاري كلينتون من حصد الولاية بعدما أظهرت الاستطلاعات أنّ باراك أوباما كان الأوفر حظاً فيها سنة 2008. وهذا ما حصل مع السيناتور الأسبق جون ماكين حين استطاع انتزاع نيوهامبشير من جورج بوش الابن في المرحلة الأخيرة من السباق سنة 2000. 

لكن في نهاية المطاف، حتى هايلي لا تحقّق تقدّماً كبيراً بما يكفي بين الناخبين الذين يشكّلون نقطة قوّتها. هي تحصل مثلاً على تأييد 50 في المئة من حَمَلة الشهادات الجامعيّة مقابل 38 لترامب بحسب استطلاع “سي أن أن/جامعة نيوهامبشير”. وتحصد فقط 48 في المئة من “الناخبين غير المعلنين” (أي المستقلّين) بينما يحصل ترامب على 38 وفق “واشنطن بوست/مونموث” ويعوّض ذلك على مستوى الجمهوريّيين (64 مقابل 22 نقطة لهايلي) والمحافظين جداً (78-10) والمحافظين إلى حدّ ما (57-28). ونسبة “المتحمّسين جداً” لترامب أعلى بكثير ممّا هي لدى هايلي، (58-30). وهذا ما أظهرته استطلاعات ولاية أيوا أيضاً.

إلى الآن، ترجّح الأرقام أنّ ترامب حسم الولاية، ومعها السباق إلى بطاقة الترشيح الجمهوريّة. سيكون ذلك صحيحاً، خصوصاً إذا كانت معدّلات استطلاعات الرأي في الولاية دقيقة كما كانت معدّلات الاستطلاع قبل أيوا. من هنا، إنّ أيّ خسارة بسيطة لهايلي ستعطيها متنفّساً إضافياً، ربّما لشهر آخر وحسب. أمّا فوزها فسيعدّ على الأرجح مفاجأة المفاجآت.