هل تغيّرت السياسة الخارجية الكويتية؟

3

جاسم مرزوق بودي

نسمع بين الحين والآخر كلاماً عن تغيّر السياسة الخارجية الكويتية وبالتالي تراجع دور الكويت في الإقليم والعالم، وأن ذلك يتعارض مع «الرسالة التاريخية» للبلد، التي جمعت وحشدت وحصدت توافقاً دولياً غير مسبوق على دعم حقوقها.

بداية، وقبل الدخول في التفاصيل، نعيد التذكير بمبادئ السياسة الخارجية الكويتية وأهدافها.

أهم المبادئ: احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والحفاظ على حسن الجوار والتمسك بالشرعية الدولية وأسس القانون الدولي، والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، والدعوة إلى حل وتسوية النزاعات بين الدول عبر الحوار والطرق السلمية والعمل على تحقيق أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

وأهم الأهداف: حماية مصالح البلاد السياسية والأمنية والدفاعية باعتبارها خط الدفاع الأول عن البلاد وحماية المصالح الخليجية والعربية والإسلامية، ورعاية مصالح الدولة ومواطنيها في الخارج، ودعم الجهود الدولية الرامية إلى إقرار السلم والأمن الدوليين، والالتزام بالشرعية والقرارات الدولية، والوساطة في حل الخلافات الإقليمية والدولية بين الأطراف المتنازعة، والعمل على إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، والعمل على تعزيز مسيرة مجلس التعاون الخليجي والتعاون والتضامن العربي – العربي، وتقديم المساعدات الإنسانية للدول المنكوبة والمحتاجة، وإبراز الدور الإنساني المشرق لدولة الكويت، والعمل على تفعيل الدبلوماسية الإنسانية والوقائية، وتعزيز التواجد الدبلوماسي الكويتي في الخارج.

عودة إلى التساؤلات بتساؤل لمن ينتقد سياسة الكويت الخارجية: ماذا تغير اليوم من هذه المبادئ والأهداف؟ وأين التناقض بينها وبين ما يجري اليوم؟

سيقول كثيرون إن المقصود بتراجع الدور وتغير السياسة الخارجية هو غياب الكويت عن نشاطات وتسويات ومؤتمرات ومصالحات كانت تقوم بها سابقاً وعلى مدار العام، وإن الكويت كانت أكثر اندفاعاً في التدخل بقضايا هنا وهناك بغية إطفاء الحرائق أو تكريس حلول سلمية.

الرد طبعاً بسيط للمتبصرين: أزمات المنطقة اختلفت اختلافاً جذرياً عما كان يحصل في السابق، لنأخذ أمثلة مثل لبنان واليمن وسورية وفلسطين والصومال وإيران وغيرها، كل الوساطات السابقة منذ عقدين انتهت تقريباً بالفشل… والسبب أن اللاعبين الإقليميين الرئيسيين في هذه الدول استفادوا من الوساطات لشراء الوقت واستنزاف الجهود والطاقات والموارد.

أي مثال سنذكره يوضح أن هوية الأزمات تغيرت، ولم تعد كما في السابق… ثبت أن هناك فرقاً بين الدور والتورط، وبين الوساطة والتكلفة السياسية، وبين التوقعات المتفائلة والأذى السياسي.

في السابق، كان للدور الكويتي إيجابياته وسلبياته، لكن كلفة هذا الدور كانت كبيرة حتى على الصعيد المادي، وهو أمر لا نسوقه من باب التعالي و«التمنن» بل من باب الواقعية. ونحن هنا لا نتحدث عن الأيادي البيضاء التي مدتها الكويت عبر المؤسسات الخيرية الرسمية والخاصة ومنها صندوق التنمية، فهذه مستمرة وتتوافق مع المبادئ والأهداف التي ترتكز عليها السياسة الخارجية.

هل تغيرت السياسة الخارجية الكويتية في العهد الحالي؟

نعم تغيرت في العهد الحالي.

كيف تغيرت؟

كمواطن كويتي أقول: إنها تغيرت إلى الأفضل.

في العهد الحالي، أسلوب الكويت في التعاطي الإقليمي والدولي صار أقل اندفاعاً وأكثر تحفظاً مع التأني في المبادرة بعد درس الظروف كلها وحسابات التوفيق والفشل.

في العهد الحالي، الربط أقوى بين السياسة الخارجية ومصالحنا الداخلية. نظرة سريعة على الاتفاقات مع الصين، ومع دول شقيقة في مجلس التعاون وخارجه، توضح كم أن قطار التنمية الداخلي وضع على السكة الصحيحة.

العهد الحالي، لم يعد يهمه تسيّد وتصدّر المشهد في هذه الدولة أو تلك، وهو يكرس الجهد والطاقات لتطوير الوضع الداخلي وحشد كل الإمكانات الاجتماعية والاقتصادية والمالية لهذا التطوير، من باب أن المواطن الكويتي أولى بدعم سلطته، وأن الكويت أبدى من غيرها.

وقبل أن يفسر أي شخص هذا الكلام بأحكام مسبقة، نعود ونؤكد على مراجعة المبادئ والأهداف، للتأكد أن السياسة الخارجية الكويتية لم تتخلَ عنها. أي جهد يتطلب تدخلاً حميداً تقوم به. الدعم بكل أشكاله حتى العسكري مستمر (نموذج لبنان حالياً)، قوافل الإغاثة والجسور الجوية من غزة إلى سورية إلى مخيمات الأردن إلى أي بلد شقيق وصديق محتاج أو منكوب قائمة على قدم وساق… ولكن بخطوات مدروسة متأنية على قاعدة صلبة.

بل أكثر من ذلك، استفادت الكويت (وأفادت) من كون المنظومات الإقليمية صاحبة دور أوقع وأفعل في ما يتعلق بالمبادرات، ولذلك يعيش -مثلاً- مجلس التعاون الخليجي أفضل مراحله من زمن طويل، حيث تتكثف جهود دوله تشاركياً وتعاونياً في إعطاء الدور قوة غير مسبوقة.

حجم الدول شيء، وحجم المنظومة الإقليمية شيء آخر، خصوصاً إذا كانت تضم دولاً مقعدها العالمي متقدم مثل المملكة العربية السعودية.

وكما كان للدور السابق سلبياته وإيجابياته، فللدور الحالي أيضاً ذلك، إنما يقيناً، ومن رأي متجرد، فإن الوضع اليوم أفضل وإن كان أقل زخماً في المشهدين السياسي والإعلامي الخارجيين، فالنتيجة أهم من الضجيج حولها. لسنا في موقف المتفرج، لكننا بالتأكيد لسنا في موقف المتهور. ندرس كل خطوة أو مبادرة، ولا «ندق الصدر» كلما اتصل أحد أو أرسل مبعوثاً. نُوائم بين نجاح أي خطوة وبين تكلفتها السياسية والمالية، فنحن لم نعد نملك ترف استنزاف الجهد والمال لتركيب صورة أفضل في مجال العلاقات العامة.

سياستنا الخارجية حالياً ثابتة على الأهداف والمبادئ، لكنها غيّرت الأسلوب وآليات العمل والأطر التنظيمية ومقاربات التعاطي مع الجميع. سياسة متزنة وراقية، تمسك العصا من المنتصف، وتحاذر الدخول في نزاعات أو عبور حقول الأذى السياسي والاقتصادي.

التعليقات معطلة.