کتب/ شارل أبي نادر
المنظومة الاكثر تطورا في العالم، والتي وُجدت اساسا للرد على تهديد اسلحة الناتو الاستراتيجية بمواجهة موسكو، اس اس 400، القادرة على رصد وتحديد اهدافها (صواريخ استراتيجية باليستية او طائرات من ضمنها الشبح المضادة للرادارات المتطورة) على بعد 3500 كلم، وعلى اصابتها وتدميرها جميعها في نفس الوقت مهما تعددت، على مسافة تتجاوز ال 250 كلم، اصبحت على الطريق لان تكون في صلب ترسانة تركيا.
اصبحت الصواريخ الروسية على الطريق لان تكون في صلب ترسانة تركيا
تركيا، الدولة الثانية عسكريا في حلف شمال الاطلسي، والاكثر فاعلية ونشاطاً وعدائية تاريخياً بمواجهة روسيا، من المناورات والصدامات في المناطق الحدودية الاوروبية – الروسية، الى الصدامات والتشنجات من التأثير التركي العقائدي في دول حديقة موسكو الخلفية في جنوب وجنوب شرق روسيا، (جورجيا، اذربيجان، داغستان، القوقاز والشيشان وغيرها)، وغير ذلك من صدامات وحساسيات خلال تاريخ طويل بمواجهة روسيا او الاتحاد السوفياتي سابقا، تركيا، هي اليوم تقترب من حضن روسيا التي اصبحت تعتبره دافئاً، على عكس مناخها البارد، ولكن، ما هي اسباب ذلك؟ وهل تكون هذه الصفقة المزلزلة حسب مراقبين اميركيين واوروبيين، القشة التي ستقصم ظهر البعير؟
لقد حذرت الولايات المتحدة الاميركية انقرة من الصفقة واعتبرت ان على تركيا، وفي حال اعتبرت نفسها مهددة وعليها التزود بأنظمة صاروخية متطورة، فيجب ان تتزود بأنظمة مناسبة ومتناغمة مع منظومات حلف الناتو، والتي هي من المفترض ان تكون عضوا أساسيا وفاعلا فيه، وحيث رد اردوغان بأن هذا شأن سيادي يتعلق باستقلال تركيا وليس من حق احد التدخل في ذلك، جاء الامر الذي زاد في اثارة حفيظة الولايات المتحدة واسرائيل معها، والذي تمثل باستقبال انقرة رئيس هيئة الاركان الايراني في زيارة نادرة لم تحدث منذ قيام الجمهورية الاسلامية في ايران.
طبعا، لا يمكن اغفال الموضوع الكردي والدعم الاميركي للوحدات الكردية بمختلف تسمياتها في سوريا، والتي تعتبرها تركيا ارهابية كما داعش التي تكون محاربتها بواسطة هذه المجموعات الكردية مبرر الدعم الاميركي لها، وحيث اعتبرت تركيا وفي اكثر من مناسبة ان الولايات المتحدة اختارت الاكراد وصداقتهم على حساب تحالفها التاريخي مع تركيا، الامر الذي اثار حفيظة الاخيرة وجنون رئيسها.
الصواريخ… أكبر من مجرد صفقة في العلاقات الروسية التركية
من جهة اخرى، ومن ضمن استراتيجية موسكو الحساسة، حيث تعمل على ان ترث النفوذ الاميركي في المنطقة باثرها، رمت الطعم لتركيا عبر صفقة ال اس اس 400 والتي طالما حاولت تركيا الحصول عليها، واعلنت عن رغبتها في تنويع ترسانتها باسلحة وبمنظوات غير منظومات الناتو، وحيث تقول ان هذا التنوع مفيد ومنتج للمنظومة الدفاعية للناتو بشكل عام، فانها اعتبرت ان العرض الروسي كان مغريا ولا يمكن تفويته، وطبعا ذهبت روسيا في ذلك بتثبيت الطعم واغراء انقرة، ودائما على طريق تنفيذ استراتيجيتها نحو وراثة النفوذ الاميركي، ومن البوابة الاهم، تركيا.
تركيا تقول ايضا، وفي معرض تبريرها للصفقة، انها تنظر للموضوع من ناحية تقنية لا سياسية، فمنظومة الباتريوت الاميركية لم تظهر بفعاليتها المطلوبة في مواجهة الصواريخ، وخير دليل على ذلك ان الباتريوت فشل بنسبة مهمة في مواجهة صواريخ حزب الله على اسرائيل في حرب 2006، وايضا فشل بنسبة كبيرة في مواجهة الصواريخ اليمنية على المملكة العربية السعودية في حرب الاخيرة على اليمن، وهذا تعتبره انقرة سببا مهما واساسيا لذهابها باتجاه اكمال صفقة الحصول على ال اس اس 400.
دائما كان يقول مسؤولون اميركيون في البنتاغون وفي وكالة المخابرات المركزية الاميركية، ان الاسلحة الروسية الخفيفة في حال توزعت وانتشرت في اي دولة او في اي مكان، هذا سيكون مناسبا لاستراتيجية واشنطن التاريخية، اما انتشار الاسلحة الثقيلة والاستراتيجية الروسية، فهذا يعتبر مساسا بالامن القومي في اميركا ويؤثر سلبا على استراتيجيتها حول العالم، وهذا دائما يجب مواجهته ومحاولة منعه.. فهل استسلمت واشنطن لهذه الصفقة بين انقرة وموسكو، ام انها تبحث الان عن مناورة وكما عودتنا لتجاوز مفاعيل الصفقة او الغائها فيما لو سلكت حتى النهاية؟