صالح السيد باقر
الملف الايراني كان العنصر المشترك في الحملة الانتخابية للرئيسين الأميركيين باراك أوباما ودونالد ترامب، فقد وعد اوباما ناخبيه بالتوصل الى حل للملف النووي وقبل انتهاء رئاسته وقعت حكومته على الاتفاق النووي مع ايران، بينما وعد ترامب بتمزيق الاتفاق النووي، ثم تراجع عن التهديد بتمزيقه الى التهديد بإلغائه واليوم لا يتحدث عن تمزيقه ولا الغائه وانما عن تعديله، ولكي لا يوحي بأنه تراجع عن كلامه هدد أيضا بالغائه ان لم يتم تعديله.
غاية ما كانت تريده ايران هو الاحتفاظ ببرنامجها النووي وتخصيب لليورانيم الى درجة لا تتجاوز عن 5 %، ولكن عندما رأت أن الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية تطالب بتفكيك برنامجها النووي، لعبت لعبة ذكية للغاية وذلك عندما طلبت بتزويدها الوقود النووي لمفاعل طهران والذي تصل درجة تخصيبه الى 20%، وبما أنها كانت تعلم سلفا أنها لن تحصل من أية دولة على الوقود الذي يصل الى 20% لذلك قامت بانتاجه، وبذلك فانها دقت جرس الانذار لأن من يستطيع انتاج وقود تصل درجته الى 20% فانه قادر على انتاج الوقود الذي يدخل في صناعة القنبلة النووية.
الغرب وخاصة ادارة اوباما لكي لا تقر بانتصار ايران في معركتها الدبلوماسية، أعلنت انها نجحت في كبح جماح ايران النووي وأوقفتها عن المضي قدما في امتلاك القنبلة النووية، بينما لم يكن لدى طهران أية نوايا بانتاج وامتلاك القنبلة النووية، وانما غاية ما كانت تريده هو الاحتفاظ ببرنامجها النووي لاستخدامه في الأغراض السلمية.
العالم رأى أن ظريف وموغيريني ووزراء خارجية اميركا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا وقعوا على الاتفاق النووي، وسمع اوباما يقول انه لو كان يقدر على تفكيك البرنامج النووي الايراني لفعل، ولكنه لم يسمع من يتكلم عن الاسباب التي ارغمت اميركا والدول الأوروبية على التوقيع على الاتفاق والغاء كافة العقوبات عن ايران.
ولا أتناول هنا تفاصيل ارغام طهران للغرب بالتوقيع على الاتفاق النووي ولكن غاية ما يمكن قوله في هذا الصدد، أن الولايات المتحدة وعموم الغرب وصل الى قناعة بأنه لا يستطيع تنفيذ الكثير من مشاريعه في العديد من دول المنطقة دون أن يتفق مع طهران، فقد بلغ نفوذ وقوة ايرا ن في المنطقة حدا انها قادرة معه على تعطيل المصالح الأميركية لو سعت واشنطن الى تهديد المصالح الايرانية.
هذه خلاصة ما جرى بين حكومة اوباما وطهران، فبعد ان كانت الحكومة الأميركية تريد تفكيك البرنامج النووي الايراني واغلاق المنشآت النووية ومارست ضغوطا شديدة، واقنعت مجلس الأمن الدولي والأعضاء الدائمين بفرض 7 قرارات قاسية جدا على ايران، ولكن في نهاية المطاف اعترفت واشنطن والمجتمع الدولي برمته بالبرنامج النووي الايراني، وألغيت كافة العقوبات عن ايران.
الوضع الحالي بين ادارة ترامب وطهران لا يختلف عن الوضع ما قبل الاتفاق النووي، والذريعة التي تسوقها الادارة الأميركية هي امتلاك ايران للصواريخ الباليستية، فهل يا ترى ينجح ترامب في ارغام ايران على التخلي عن قدراتها العسكرية وخاصة صوريخها الباليستية؟
ويمكن الاجابة على هذا السؤال بالأمور التالية:
ليس بالضرورة أن السياسة التي تنتهجها حكومة ترامب متطابقة مع السياسة التي انتهجتها حكومة اوباما، خاصة اذا عرفنا ان نهج الحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه ترامب في السياسة الخارجية يختلف عن نهج الحزب الديمقراطي الذي ينتمي اليه اوباما، فالأول صدامي، بينما الثاني يبدي نوع من المرونة في قضايا السياسة الخارجية.
هناك اختلاف كبير بين البرنامج النووي والقدرات العسكرية وخاصة الصاروخية، فقد كفل القانون الدولي حق الدول في امتلاك الطاقة النووية واستخدامها للأغراض السلمية، وفي نفس الوقت فان القانون الدولي كفل للدول امتلاك الدول للقدرات العسكرية التي تحمي بها نفسها وتبعد التهديدات عنها، غير أن الحكومة الأميركية تسعى الى اقناع المجتمع الدولي بأن القدرات العسكرية الايرانية وخاصة الصواريخ تشكل تهديدا على المنطقة والعالم.
الموقف الأوروبي سيكون حاسما في مضي ترامب قدما في سياسته تجاه ايران، ولذلك فان كلا من طهران وواشنطن ستبذلان مافي وسعهما الى جر الأوروبيين الى صفهما، وحتى اليوم كانت اوروبا الى جانب طهران ولكن لا يمكن التأكد من بقاء اوروبا الى الأبد الى جانب طهران.
ليس بالضرورة أن المستهدف هو القدرات العسكرية والصواريخ الايرانية، فلربما الهدف غير ذلك، كأن تسعى حكومة ترامب الى ايجاد الرعب من ايران لابرام اتفاقيات عسكرية وسياسية مع بعض الدول، وبالتالي اذا تحققت الاهداف الثانوية فان حكومة ترامب تتغاضى عن قدرات ايران العسكرية.
الوضع الدولي في الوقت الراهن يختلف تماما عما كان عليه في عهد اوباما، فقد برعت حكومة اوباما في جر المجتمع الدولي وخاصة القوى الدولية الى صفها، وفرض عزلة دولة خانقة ضد ايران، بينما تواجه حكومة ترامب تحديا كبيرا في هذا الصدد، فاذا كانت حكومة احمدي نجاد قد انتزعت اعتراف اوباما والمجتمع الدولي بقدراتها النووية رغم عزلتها، فهل يا ترى ستفشل حكومة روحاني التي تتمتع الى حد ما بدعم دولي بتسوية ملف قدرات ايران العسكرية؟
ايران لن تقف مكتوفة الايدي تجاه التحركات الاميركية، ففي الوقت الذي ستواصل فيه تحركاتها الدبلوماسية، فانها ستلجأ الى ذات الأساليب والممارسات التي لجأت اليها في عهد اوباما، والتي توجه من خلالها الرسائل المباشرة وغير المباشرة، بأنها قادرة على الحاق الأذى بالمصالح والمشاريع الأميركية.
ليس من المستبعد أن يبقي ترامب على ملف الاتفاق النووي والقدرات العسكرية الايرانية مفتوحا، ليحقق الغايات والاهداف المطلوبة، وفي نهاية المطاف يحسم الملف كما فعل اوباما.