في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، يتدافع المسؤولون الإسرائيليون للتأثير على إدارة بايدن كـ “خلية نحل”، بهدف اتخاذ مواقف حاسمة وعدم تقديم تنازلات لطهران مع دخول المفاوضات مرحلة حرجة. فهل تنجح تلك المحاولات في إخراج اتفاق نووي أفضل من سلفه الذي ألغاه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بجرة قلم؟
وخلال الأشهر والأسابيع الماضية، غيرت إسرائيل من نهجها الدبلوماسي الهادئ تجاه الملف، وقامت بإرسال العديد من المسؤولين إلى واشنطن فضلاً عن إجراء اتصالات مكثفة بإدارة الرئيس بايدن للتشاور قبل التوقيع على أي اتفاق، كان آخرها زيارة رئيس الموساد ديفيد بارنيا للولايات المتحدة أمس الإثنين.
حماية دون قيود
وفي موقع “أكسيوس”، قال السفير الأمريكي لدى إسرائيل توم نيدز إن “الرئيس الأمريكي جو بايدن أوضح لرئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد خلال مكالمتهما الأسبوع الماضي، أن الولايات المتحدة لن تقيد يدي إسرائيل وتمنعها من العمل ضد إيران”.
ويأتي ذلك بعدما ذكر مسؤول إسرائيلي كبير الأسبوع الماضي أنه “سواء كان هناك اتفاق نووي أم لا، فإن إسرائيل ستحمي نفسها ضد إيران دون قيود”، وأكد نيدز أن إدارة بايدن ترغب في حل دبلوماسي مع إيران، ولكن فقط وفقاً للشروط التي وضعها الرئيس بايدن، وأضاف “لا تزال هناك ثغرات كثيرة لم يتم حلها بعد”.
زيارة مهمة
وأشار الرئيس والمدير التنفيذي للمعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي (JINSA) الدكتور مايكل ماكوفسكي في صحيفة “جيروزاليم بوست”، أن زيارة رئيس الموساد لواشنطن هي الأحدث في سلسلة من زيارات لكبار مسؤولي الأمن الإسرائيليين الذين يهدفون إلى تشكيل السياسة الأمريكية تجاه إيران، بما في ذلك منعها من عقد اتفاق على صفقة نووية خطيرة جديدة مع طهران”.
وقال: إن “اجتماع بارنيا المخطط له مع لجان المخابرات في الكونغرس مهم بشكل خاص، لأن إسرائيل بحاجة إلى التواصل بشكل أكبر مع أعضاء الكونغرس الذين هم في موقف معارضة أو منع أي اتفاق متفق عليه”، معرباً عن تخوفه من تأثير محدود على سياسة الولايات المتحدة ما لم تشن تل أبيب حملة عامة تهدف إلى تحفيز معارضة أوسع في الكونغرس وبين الشعب الأمريكي.
ووفقاً لنائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق داني أيالون، فإن كل زيارة يقوم بها رئيس الموساد في واشنطن مهمة بحكم التعريف، لكن موضوع وتوقيت هذه الزيارة يجعلانها ذات أهمية مضاعفة، وقال “مع ذلك، لدي القليل من الثقة في قدرة إسرائيل على تغيير موقف الولايات المتحدة بشكل كبير تجاه إيران، بسبب مصلحة واشنطن في خفض أسعار النفط، ورغبة الرئيس بايدن في الحصول على إنجاز دبلوماسي قبل انتخابات التجديد النصفي لشهر نوفمبر(تشرين الثاني) المقبل”.
وأضاف “سيسعى بارنيا لإقناع الولايات المتحدة بتشديد مواقفها فيما يتعلق بتحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمواقع النووية الإيرانية، ورفض أي تخفيف للعقوبات المفروضة على الحرس الثوري الإيراني، كما أنه من المرجح أن يضغط على الإدارة لتنسيق موقف متبادل بشأن كيفية التصرف إذا قام الإيرانيون بانتهاك الاتفاق”.
فيما يعتقد نائب الرئيس الأول للأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن الدكتور جوناثان شانزر، أن زيارة بارنيا لن تغير من حسابات الولايات المتحدة، لكن التحذيرات الصادرة ستؤخذ على محمل الجد.
ضغوط إسرائيلية
وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن وجهات النظر الإسرائيلية بشأن الصفقة الإيرانية، تحمل ثقلاً خاصاً في واشنطن بالنظر إلى استمرار الصراع العسكري في الظل مع طهران، والرأي المشترك بين واشنطن وتل أبيب بأن إيران تشكل تهديداً خطيراً لأمن إسرائيل.
وقال مسؤولون أمريكيون للصحيفة، إن “استعادة اتفاق 2015 الآن هو أمر خطير، لأن إيران أحرزت الكثير من التقدم في برنامجها النووي منذ ذلك الحين، إذ يحتوي الاتفاق على أحكام نهائية تسمح بشكل أساسي لإيران بتخصيب كميات غير محدودة من اليورانيوم بحلول عام 2030”.
وقال مسؤولون إسرائيليون إن “استعادة الصفقة تضفي الشرعية على طموحات طهران النووية”، مشيرين إلى التهديد العسكري إلى جانب العقوبات الصارمة قد يجبر إيران على تقديم تنازلات أكبر”.
الحذر من إيران
ومن جهته، قال السناتور الجمهوري ليندسي غراهام أمس الإثنين، إن “وفداً من الحزبين من أعضاء الكونغرس الأمريكي سمع معلومات مروعة جداً خلال رحلتهم الحالية إلى إسرائيل، حول خطط النظام الإيراني في حال تحوله إلى قوة نووية”.
ووفقاً لموقع “ذا ميديا لاين” الإخباري، سلط السناتور الضوء على حقيقة أن معظم الإسرائيليين يعارضون الاتفاق النووي، وأضاف “يبدو أن الشعب الإسرائيلي متحد حول فكرة أن العالم يجب أن يكون حذراً من إيران”.
وتابع “هناك الكثير من الانقسام والخلاف في الداخل الإسرائيلي، ولكن الهدف من هذه الرحلة هو جمع المعلومات حول برنامج إيران، وطمأنة الحكومة الإسرائيلية بأنه بغض النظر عما سيحدث في انتخابات نوفمبر(تشرين الثاني) المقبل، فإن المساعدة التي تتمتع بها إسرائيل من قبل الحكومة الأمريكية ستستمر”.
تكتيك تفاوضي
وأما في صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية، قال مسؤول إسرائيلي مطلع على المحادثات “يبدو أن الاتفاق النووي يحتضر، إلا أن الإعلان عن وفاته ما زال بعيداً، فهناك الكثير من الأطراف المهتمة بهذه الصفقة، وسوف يحاولون إحيائها في الفترة المقبلة”.
وأشار المسؤول إلى أن إيران تستخدم باستمرار التأخير كتكتيك تفاوضي، كما أن إصرارها على إغلاق ملف الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد يكون بمثابة تأجيل آخر، موضحاً أن المفاوضات قد تتأخر إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي الأمريكية في نوفمبر(تشرين الثاني) المقبل.
وأضاف أن “منطلق إسرائيل هو أن الولايات المتحدة تريد توقيع الصفقة في أقرب وقت ممكن من أجل وضع الأمر خلفها، بينما تتطلع إيران إلى تحقيق أكبر عدد ممكن من الإنجازات قبل اتخاذ قرار بشأن التوقيع على صفقة جديدة أو الانسحاب كلياً، كما أنه لا توجد إشارات توحي بأن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الذي يُعتقد أنه يعارض الصفقة، قد غير رأيه وأنه سيسمح لمن هم دونه بالتوقيع عليها.
وبالنظر إلى حالة عدم اليقين هذه، تعمل إسرائيل على تقويض الاتفاقية بطرق أخرى، حيث إن الرغبة الأمريكية في تشديد موقفها بما يتماشى مع مطالب إسرائيل، يمكن أن تزيد من صعوبة التوصل إلى تفاهم مع إيران خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وقالت مصادر إسرائيلية للصحيفة إن “تأجيل الصفقة حتى انتخابات التجديد النصفي الأمريكية يصب في مصلحة إسرائيل، وتشكل هدفاً مهماً في حال فوز الجمهوريون بأغلبية كبيرة في الكونغرس”.
وتتوقع مصادر سياسية إسرائيلية أن يطرح النواب الجمهوريون اقتراحاً بإسقاط الاتفاق النووي مع إيران الذي سيحظى بتأييد الأغلبية، وفي حالة تمريره يمكن أن يستخدم بايدن حق النقض (الفيتو) ولكن في ظل هذا السيناريو، سيكون من الصعب عليه إلغاء الاقتراح الجمهوري والموافقة على الاتفاق النووي.
العراق جائزة إيران
وفي سياق منفصل، كشفت صحيفة العرب اللندنية أن التفاهمات التي يجري إعدادها قبل توقيع اتفاق معدل لاتفاق 2015 بشأن النووي الإيراني، بدل أن تقيد أنشطة طهران فإنها تطلق يديها في مختلف ملفات المنطقة، وخاصة في العراق الذي سيكون بمثابة جائزة لإيران وحلفائها من ميليشيات وأحزاب.
وقالت إن “الاتفاق النووي يحتضر حول قضيتين رئيسيتين، أولاهما الضمانات الاقتصادية القوية التي تطالب بها طهران (والعراق هو أحد أوجه هذه الضمانات حتى وإن لم يتم طرح الموضوع فعلياً على الطاولة)، والثانية تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول النشاطات النووية السرية لإيران.
ويرى مراقبون أن هذا المسلسل يتكرر الآن، فهناك مفاوضات تتأرجح بين النجاح والفشل للعودة إلى الاتفاق النووي، وهناك صراع جديد في العراق حول مفهوم “الكتلة الأكبر”، بينما تمارس إيران ضغوطاً عنيفة وتهديدات من أجل المحافظة على تفاهمات العام 2008 مع الولايات المتحدة من جهة، ولضمان بقاء ميليشياتها وأحزابها في دائرة السلطة من جهة أخرى.
ويلاحظ المراقبون أن لا التحرك الشعبي المناهض لإيران في العراق بين العامين 2019 و2020 (انتفاضة تشرين)، ولا التحرك الشعبي الذي قاده التيار الصدري، دفع الولايات المتحدة إلى تبني موقف يساند هذين التحركين، إلا ببيانات تدعو إلى الهدوء وضبط النفس والديمقراطي، وهي إشارات كانت طهران تتلقاها على أنها تطمينات من جانب الولايات المتحدة وليست خروجاً عن القاعدة.
ولفتت الصحيفة إلى أن التعقيدات التي ترافق المفاوضات على العودة إلى الاتفاق النووي، تتزامن مع الأزمة الراهنة في العراق، مبينة أن التيار الصدري والحراك الشعبي المناهض لإيران، محاصر بمعادلة واحدة تفرضها التفاهمات بين إيران والولايات المتحدة، والسبيل الوحيد المتاح هو “إعط لإيران ما لإيران”، في السلطة والاقتصاد، تم أم لم يتم توقيع الاتفاق النووي.