هل دخل العالم مرحلة كسر العظم مع نظام ولي الفقيه؟

14

تشير التطورات المتسارعة في المشهد الدولي، خاصة في الشرق الأوسط، إلى أن الخيارات المتاحة أمام إيران أصبحت تضيق بشكل غير مسبوق. فمع تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، يبدو أن صناع القرار في العواصم الكبرى قد بدأوا بالتعامل مع طهران ليس كطرف يمكن احتواؤه أو التفاوض معه، بل كخطر يجب إنهاؤه مهما كان الثمن.

لفترة طويلة، اعتمدت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، سياسة “العصا والجزرة” مع إيران، ساعية لاحتوائها عبر العقوبات الاقتصادية والتهديد العسكري تارة، وإبداء الانفتاح الدبلوماسي تارة أخرى. لكن مؤشرات الأشهر الأخيرة توحي بأن هذه المرحلة قد انتهت، وأن القرار الدولي يتجه نحو سيناريو أكثر جذرية. شل قدرة إيران على التأثير، ولو تطلّب الأمر مواجهة عسكرية مباشرة.

هناك عدة عوامل تُفسر هذا التحول الجذري:

تزايد تهديدات إيران الإقليمية: دعم طهران للمليشيات المسلحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن بات يُنظر إليه كقوة زعزعة دائمة للاستقرار. وقد أصبح من الواضح أن احتواء هذه الأذرع لم يعد ممكنًا دون معالجة “رأس الأخطبوط” في طهران.

التقارب الإيراني مع روسيا والصين: 

مع تصاعد الحرب في أوكرانيا، واتضاح اصطفاف إيران بجانب موسكو وبكين، أصبح واضحًا أن طهران لم تعد خصمًا إقليميًا فحسب، بل باتت جزءًا من محور دولي مناهض للغرب، ما يجعل التعامل معها أكثر تعقيدًا وخطورة.

فشل الدبلوماسية النووية: مع تعثر مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي، واستمرار إيران في تطوير برنامجها النووي، تزايدت المخاوف من أن يصبح امتلاك طهران للسلاح النووي واقعًا قريبًا، وهو خط أحمر لا يبدو أن إسرائيل والغرب مستعدان لقبوله.

التغير في المزاج السياسي الدولي

ان تنامي المخاوف من ضعف الهيمنة الغربية، بات صانعو القرار يشعرون بالحاجة لاستعراض الحزم والقوة لاستعادة مصداقيتهم، ما يجعل خيار التصعيد العسكري أكثر قبولًا.

وسط هذه المعطيات، يبدو أن المسار المرسوم لا يترك لإيران فرصة حقيقية للتنازل أو المناورة. بل أن الضغوط الاقتصادية، والاستهدافات الأمنية، والتلويح المستمر بالخيار العسكري، ترسم صورة تقول لطهران “لم يعد هناك وقت، ولا مجال للرهان على صبر العالم.”

إيران، التي اعتادت على اللعب على حافة الهاوية، قد تجد نفسها هذه المرة أمام هاوية حقيقية، حيث لا يكفي تقديم تنازلات متأخرة لإنقاذ الموقف. فصناع القرار الدوليين، الذين خابت توقعاتهم مرارًا من سلوك طهران، ربما قرروا أخيرًا أن الوقت قد حان لإعادة رسم معادلات القوة بشكل جذري، حتى لو كان الثمن حربًا إقليمية واسعة.

في زوايا القرار الدولي، تدور نقاشات صامتة وصاخبة في آنٍ واحد: هل انتهى زمن احتواء نظام ولي الفقيه؟ هل حانت لحظة المواجهة المفتوحة؟ بينما ترتفع حرارة الأزمات في الشرق الأوسط، تتجه الأنظار نحو طهران التي تبدو اليوم محاصرة أكثر من أي وقت مضى، في مشهد يوحي بأن الحرب لم تعد احتمالًا بعيدًا، بل مسارًا تدفع إليه الوقائع دفعًا.

تشير المؤشرات المتصاعدة إلى أن صناع القرار الدوليين باتوا يتعاملون مع نظام ولي الفقيه كخطر وجودي يجب إنهاؤه، لا احتواؤه. مع فشل الدبلوماسية النووية، وتصاعد دعم طهران للمليشيات المسلحة، وتحالفها المتزايد مع موسكو وبكين، بات خيار كسر العظم يلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى.

اليوم، لم تعد أمام النظام الإيراني فسحة واسعة للمناورة أو التنازل، إذ تبدو الضغوط الاقتصادية والعسكرية وكأنها تغلق جميع المخارج الممكنة. العالم، الذي طالما راهن على استنزاف طهران تدريجيًا، يبدو وقد حسم أمره باتجاه فرض تغيير جذري، ولو بالقوة.

في لعبة الأمم، قليلون هم من يحصلون على فرصة أخيرة لتغيير مصيرهم، ويبدو أن نظام ولي الفقيه يقترب سريعًا من فقدان هذه الفرصة. إذا كان العالم قد صبر طويلًا، فإنه الآن يتحدث بلغة الحتمية: حتمية المواجهة. وعندما يقرّر التاريخ أن يسير نحو التصعيد، فإن الأبواب تُغلق سريعًا ولا تُترك مفتوحة حتى أمام التنازلات .

التعليقات معطلة.