مشرق عباس
لم يكن مشروع مارشال، كما بشر بعض الحكوميين العراقيين، تخلت عنه واشنطن أسرع مما كان متوقعاً، ولم يجمع 80 بليون دولار كمنح ومساعدات لإعادة الإعمار كما طالبت بغداد، ليس كمثل ان تفتح دول العالم صناديق أموالها وتنقلها من الكويت إلى منفذ سفوان في البصرة بشاحنات عملاقة!… ولم يكن المستثمرون بالحماسة المتوقعة، ولم يتكالبوا على زعماء الأحزاب وقادة المليشيات لتسهيل استثماراتهم!
حملات التسقيط والانتقاد والبكاء على العراق الذي «يشحذ» من دول العالم، والتي انطلقت بمجرد الإعلان عن المؤتمر، وتضاعفت خلال ايام انعقاده، ثم تحولت الى تقريع شديد للحكومة العراقية بعد نهايته مصحوباً بمقالات رأي عن «خيبة أمل» و»احباط» و «فشل» المؤتمر، كلها تنتمي الى منطق لايشبه ماحصل فعلياً في الكويت.
فالمؤتمر الذي دعمته دولة جارة تحاول ان تنتقل بالتطبيع المتعثر لسنوات مع العراق الى مرحلة جديدة، كان قد حقق هذا الغرض بالفعل، والكويتيون كما العراقيون كانوا وما زالوا في حاجة الى مبادرات متواصلة لغسل العلاقة التاريخية من آثار الماضي المؤلم. المؤتمر مثّل في بعد آخر رسالة عراقية ايجابية خالية من الغطرسة الى العالم، برغبة هذه البلاد في التعاون، قابلتها رسالة إقليمية ودولية وديّة بضرورة احتواء العراق ومنع انزلاقه من جديد إلى الصراع الداخلي والحروب وتصدير العنف.
ربما لم يكن مبلغ 24 بليون دولار من المنح والاستثمارات والقروض التي أقرّت في المؤتمر، بمستوى ما كان مأمولاً، خصوصاً على مستوى إعادة إعمار المناطق المتضررة من حرب «داعش»، وهي الحرب التي لم يعد مثار جدل ان شعب العراق خاضها وتحمل تكلفتها الباهضة نيابة عن دول المنطقة والعالم، وأن «داعش» في النهاية لم يكن وليد سوء سياسات عراقية فقط، بل أخطاء إستراتيجية ارتكبت في خضم صراع إقليمي ودولي.
لكن القضية تتعدى حجم الأموال المطلوبة للإعمار، الى حاجة العراق الى تعاون دولي حقيقي لتثبيت مرحلة السلم الاجتماعي الهش الذي يشهده اليوم، وهي مازالت قابلة للنكوص في اية لحظة، اذا ما تخلى العالم عن تعهداته التي عكستها جلسات الكويت، ليس مالياً فقط بل امنياً وسياسياً ايضاً.
داخلياً، ليس مستغرباً ان تستخدم القوى التي ترسم خريطة مواقفها من كل القضايا على اساس الدعاية الانتخابية لا الضرورات الوطنية، كل الوسائل لمنع تحوّل مؤتمر الكويت، الى مادة انتخابية لحيدر العبادي، والحقيقة ان المؤتمر بمعطياته ليس صالحاً كثيراً للاستخدام الانتخابي في العراق، بقدر ما يطرح سلسلة من الأسئلة ستكون الإجابة عنها معياراً للمراحل العراقية المقبلة.
فهل سيقدم العراق تطمينات كافية لتهدئة مخاوف المستثمرين الدوليين، حول بيئة الفساد الطاردة؟ استمع العبادي الذي قال اخيراً انه سيستخدم آليات جديدة لمراقبة الأموال، الى هذا السؤال كثيراً في عدد من المؤتمرات والزيارات التي قام بها، ومن ضمن ذلك تفصيل حول استمرار مليشيات الأحزاب في الضغط على الشركات العاملة في العراق.
كيف يمكن ضمان ان تجد أموال المنح والقروض الميسرة طريقها بالفعل الى إعمار المناطق المتضررة، ولا تتبدد في تسويات زعماء وأمراء طوائف فاسدين، كما لا تهدر في برامج منظمة الأمم المتحدة التي تستنزف أموال المساعدات لرعاية وحماية ونقل وإقامة وترفيه طاقم إدارة متضخم وغير فعال؟.
هل يمكن أن يضمن العراق استقراراً سياسياً وأمنياً يحفظ مصالح الدول والشركات التي اندفعت للمساعدة؟ أم أن الانتخابات التي ستنطلق في 12 أيار (مايو) المقبل ستقلب التوازنات ومعها الطاولات والالتزامات؟ ليجد المستثمر نفسه أمام أطراف جديدة ومزايدات واتفاقات مضافة؟
من حق المانحين والمستثمرين ان يتساءلوا، وربما سيماطلون في قضية ترجمة وعود الكويت إلى إجراءات عملية إلى ما بعد الانتخابات، وهذا اختبار قد يحول تلك الوعود إلى مجرد حبر على ورق فعلاً.
لم يفشل مؤتمر الكويت، حتى لو انتهى إلى أن يكون تجمعاً لتقديم الدعم المعنوي والتضامن مع العراق، لكن نجاحه سيرتبط خلال الشهور المقبلة بقدرة العراقيين على منح الوعود بدورهم، وترجمة تلك الوعود إلى وقائع.