أحمد أبو العمرين
تنتشر بيننا مقولة «الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة» وهي مقولة لا تُنسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يبدو أنها من اجتهادات بعض العلماء للتأكيد على قيمة العدل وأهميته، إلا أن البعض يستخدمها للتقليل من أهمية «الإسلام» كمعنى مميّز وكيانية مستقلة، ويحصر الأهمية في العدل المجرد الذي قد يقوم به الوثني والمشرك ومن لا دين له. وتصبح قيمة «الإسلام» كدين وعقيدة في المؤخرة! ولماذا أصلًا إقحام الكفر والإيمان في هذه المقارنة وكأن العدل ليس أصلًا في الإسلام ومن أهم معانيه ومقاصده الكلية؟!
ولا أدري من الذي قسّم هذه التقسيمة الزائفة التي تجعل العدل في جانب، والإسلام في جانبٍ آخر لنقول أن الدنيا تصلح بالكافر العادل أكثر من المسلم الظالم!
ويدّعي البعض أن الأهمية هنا للعدل لكونه مؤثرًا في الجمهور والمجتمع، بينما «الإيمان» لا يتجاوز الفعل والتأثير الشخصي! فهو بهذه القسمة الزائفة إنما يروّج للفكرة العلمانية المرفوضة والمفتئتة على الإسلام الحقّ، فديننا المحمدي الصحيح هو الذي يقِيم الدنيا بهذا الإيمان ويصبغ الحياة والمجتمع والدولة بالتوحيد ومعاني الإسلام العامة ومن ضمنها العدل.
وبالتالي فإن المعنى في هذه المقولة ليس دقيقًا، أولًا لأن الإيمان والإسلام والعدل كيانٌ واحد لا تفريق بينها، وثانيًا لأن المسلم الظالم يبقى عاصيًا أمام الكافر الذي يهدم الحق من أساسه بعدم إيمانه بالله تعالى وهذا هو الظلم الأعظم مهما كان عادلًا مع الآخرين، (مثل الرجل المحسن لكل الناس لكنه عاقّ لأبويه، فهل ينفعه ذلك؟).
وثالثًا لأننا لا نستطيع أن نقول إن الله تعالى ينصر الكافر العادل لمجرد أن الكافر انتصر على مسلم دون أن يكون لنا دليل من كتابٍ أو سنة! فتأييد الله ومعيته ونصرته محصورة بصريح الكتاب والسنة بالمؤمنين الموحّدين له تعالى، وإذا تخلّى المسلم على صفة العدل أو تحرّي الحق فإنما يُحرم تأييد الله تعالى ومعيته ويُترك في صراعه مع غيره أو مع الكافرين لمدى قوته الخاصة واستعداده الماديّ، وسينتصر حينها بالتأكيد الأكثر أخذًا بالأسباب والأكثر قوةً واحتياطًا في الأسباب المادية حتى لو كان الكافر وذلك تبعًا للسنن الكونية التي لا تحابي أحدًا، دون أن يُسند ذلك إلى الله تعالى بأنه هو الذي نصر الأمة الكافرة على المسلمة لأن في ذلك تألّيًا على الله بلا دليلٍ شرعيّ وتحدثًا عنه بدون علم.
ويبقى دائمًا حرص القرآن وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنته على إيجاد المسلم العادل والدولة المسلمة العادلة دون التقليل من أهمية التوحيد في إصلاح الحياة الذي هو أصل العدل وأساسه، ومن يقصّر في ذلك إنما يكون مسلمًا ناقصًا أو دولةً مسلمة لم تحقق معاني الإسلام الصحيح حقًا دون أن يعني ذلك بأن الكافر العادل أفضل أو أنه يحوز تأييدًا أكثر من الله تعالى.
وبالرجوع إلى أصل المقولة فيدو أن بعض المجتهدين أرادوا بذلك ان الدولة المسلمة إذا تخلّت عم العدل في ممارستها وعلاقتها مع الجمهور واتسمت بالظلم والاستبداد فقد يسلّط الله عليها من يهزمها ويذيقها عقوبة التخلّي عن العدل من دولةٍ أخرى وقد تكون كافرة، وبالتالي فأقصى ما يُقصد من مقولة نصرة الله للدولة الكافرة إنما هو تسليطها من الله تعالى كعقوبة على الدولة المسلمة الظالمة، وهو التسليط الذي يُترك فيه الصراع للأكثر أخذًا بالأسباب المادية وهو لا يُعبر عنه مجازًا بأن الله هو من نصر هذه الدولة أو تلك.