اقتصادي

هل فقد المصريون شغفهم بشهادات الادخار في “سباق التحوط”؟

عملات نقدية محلية جنيه مصري ودولار أميركي/ AFP

إسلام محمد 

منذ بضعة أعوام، يركز المصريون بمختلف شرائحهم على “التحوط المالي” كسبيل لعبور أزمة اقتصادية واسعة النطاق، تمتد من تأثيرات التضخم على حياتهم اليومية، وصولا إلى تراجع متواصل للقيمة الحقيقة للجنيه المصري مقابل الدولار.

ولا يكف المصريون عن التساؤل عن “الوعاء” الأفضل سواء لحفظ قيمة مدخراتهم أو لتنميتها وتحقيق عوائد جيدة. وفي هذا السياق، يرى الخبراء أن العقارات تبقى خياراً جيداً دائماً، إلا أن أهم عيوبها أنها قد لا تناسب الجميع نظرا لأنها تحتاج قيمة مالية ضخمة نسبياً.

أما الأوعية الأكثر رواجا بالنسبة للقيم المالية الأقل، والتي توفر بديلاً مناسباً لتوظيف السيولة، فتتمثل في شراء الدولار، أو الذهب، أو الشهادات الادخارية، أو الاستثمار في البورصة.

وخلال الأعوام الأخيرة، مثلت الشهادات الخيار الأبرز لشريحة كبيرة من المواطنين، باعتبارها وسيلة ذات عوائد ثابتة، وتتمتع بالإمان إذ إن مخاطرها صفرية تقريبا. إلا أن استمرار الأزمة الاقتصادية في مصر وارتفاع الأسعار المستمر للسلع والخدمات والقفزات المتواصلة للقيمة الموازية للذهب والدولار، كلها عوامل قلصت من قدرة عوائد الشهادات على مجابهة تلك الارتفاعات وتلبية رضا شريحة المواطن.

تغير الموقف تجاه الشهادات

حصيلة الشهادات الجديدة من بنكي مصر والأهلي المصري والتي سجلت 45 مليار جنيه (نحو 1.45 مليار دولار وفقا للسعر الرسمي لصرف الدولار)، في أول أسبوع عمل بعد إصدارها، وفقا لتصريح رئيس اتحاد البنوك في مصر محمد الإتربي، تكشف عن تغير جذري في تفكير المواطن المصري ونظرته للشهادات مقارنة بالأعوام السابقة.

وأعلن البنكان يوم 4 كانون الثاني (يناير) عن طرح شهادات ادخارية جديدة لمدة عام، بأعلى عائد يصل إلى 27 بالمئة يصرف في نهاية مدة الشهادة (عام)، أو 23.5 بالمئة بعائد شهري. فيما بدأ البنكان صرف قيمة الشهادات القديمة التي طرحت في كانون الثاني الماضي بعوائد 25 و22.5 بالمئة سنويا أو شهريا على التوالي، والتي بلغت حصيلتها الإجمالية أكثر من 460 مليار جنيه مصري، أو ما يعادل 14.8 مليار دولار بسعر الصرف الحالي البالغ 30.9 جنيها للدولار؛ لكن هذا المبلغ يعادل 18.7 مليار دولار بسعر الصرف وقت بدء الشهادات، حيث كان 24.5 جنيها للدولار.

ويشار إلى أن شهادات 2023 حققت مبيعات بنحو 60 مليار جنيه في أول 72 ساعة مبيعات فقط العام الماضي، فإن ذلك يوضح بالأرقام أن الاقبال على الشهادات الجديدة يعادل أقل من ثلثي مثيله في العام الماضي.

الخيارات البديلة

وإلى جانب ردود الأفعال المتحفظة على الشهادات وقيمة عوائدها الحقيقية على منصات التواصل الاجتماعي، تحولت التوصيات الحالية من جانب الخبراء وصناع المحتوى، إلى بدائل أخرى ذات عوائد أعلى بالتزامن مع استمرار تراجع قيمة العملة المحلية، وارتفاع الأسعار المستمر، لتتجه الخيارات نحو عدد من البدائل.

العقار

بلغة الارقام، نجح القطاع العقاري المصري في تحقيق عوائد قياسية خلال الأعوام الأخيرة وبالتحديد خلال 2023، حيث سجل القطاع العقاري ارتفاعات سعرية بنسب تصل إلى 100 بالمئة خلال العام الماضي في بعض المشروعات الجديدة، وفقا لبيانات غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية.

كما كشف تقرير صادر عن شركة “جيه إل إل” عن ارتفاع أسعار الإيجارات بزيادة سنوية بلغت 22 بالمئة في غرب العاصمة المصرية القاهرة، و18 بالمئة في القاهرة الجديدة (شمال شرق العاصمة)، خلال الربع الثالث من عام 2023.

وأرجع عدد من الخبراء والتحليلات أسباب الارتفاع إلى بضعة عوامل، منها زيادة تكاليف الإنشاء، واستمرار تراجع قيمة العملة المحلية، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب على شراء العقار للتحوط من خفض جديد في قيمة العملة، وهو ما يعكس تغير مفهوم شريحة كبيرة من المواطنين تجاه البدائل الاستثمارية الحالية.

وتتوقع وكالة “فيتش” زيادة الاستثمارات في السوق العقاري المصري على المدى الطويل، نتيجة جهود الدولة المستمرة في إنشاء المدن الجديدة وما توفره من فرص جذابة للمستثمرين المحتملين، بما في ذلك العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة ومدينة المنصورة الجديدة.

الذهب

أما الذهب، فقد حقق طفرات غير مسبوقة بالسوق المصرية خلال 2023، مدفوعا بأمرين يراهما المصريون حقائق لا تقبل الجدل، أولهما أن “الذهب مستمر في الصعود مع استمرار صعود الدولار”، وثانيهما أن الذهب “ملاذ آمن من أي أزمات أو تعويم مرتقب”.

وبالنظر إلى تطور الأسعار، فإن غرام الذهب “عيار 21″، وهو الأكثر تداولا في مصر، قفز من مستوى 1690 جنيهاً (نحو 55 دولاراً) مع بداية 2023 وصولًا إلى 3245 جنيهًا (105 دولار) في نهايتها، أي أن مكسبه بلغ نحو 100 بالمئة خلال عام واحد.

ووفقًا للتحليل الفني لـ”غولد بيليون”، ارتفعت مشتريات المصريين من الذهب بكافة أشكاله خلال أول 9 أشهر من 2023 بمقدار 46.4 طنا من الذهب، بنسبة ارتفاع 20.5 بالمئة مقارنة مع مجمل مشتريات الذهب لعام 2022 عند 38.5 طنا.

وساهم في ارتفاع أسعار الذهب، موافقة الحكومة المصرية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، على تمديد مبادرة إعفاء الذهب بصحبة المصريين القادمين من الخارج من الجمارك وأي رسوم أخرى ماعدا ضريبة القيمة المضافة، وذلك لمدة 6 أشهر أخرى تنتهي في أيار (مايو) المقبل.

وجميع المؤشرات والبدائل الأخيرة تعكس تغير مفهوم شريحة كبيرة من المواطنين والاتجاه إلى بدائل استثمارية أخرى بخلاف السنوات الماضية.