12-10-2021 | 10:00 المصدر: بغداد – النهار العربيفراس بدر
أنصار للزعيم الشيعي مقتدى الصدر يحتفلون. أ ف ب
مع نهاية الانتخابات النيابية العراقية المبكرة التي أجريت الأحد، اتجهت الأنظار إلى رصد النتائج التي بدأت تظهر تباعاً، سواء عن المفوضية المستقلة للانتخابات أو عن الحملات الانتخابية للقوى والأحزاب المشاركة. ولئن بيّنت الأرقام المعلنة حتى عشية الإثنين تحقيق “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر نتائج وصفها هو بـ”نصر الكتلة الأكبر”، وانتكاسة تحالف “الفتح” القريب إلى إيران بنسبة كبيرة، كان لافتاً تسجيل قوى شبابية وحزبية جديدة منبثقة عن “انتفاضة تشرين” نتائج لافتة، وفوزها مع مرشحين مستقلين بعدد من المقاعد، ولا سيما في مدينة النجف.
مساومات تلغي النتائج؟لكنّ الاهتمام بالنتائج ذاتها قد لا يستمر طويلاً، وفق مراقبين، في حال كانت خطة القوى الفاعلة للتعامل مع مرحلة ما بعد الانتخابات هي ذاتها التي اعتمدتها بعد كل انتخابات. فالمعركة على تسمية رئيس للوزراء لتأليف حكومة جديدة، لا تحكمها عادة نتائجُ الانتخابات وأحجام القوى التي تفرزها. وفي ظل التداخلات الإقليمية والدولية في الداخل العراقي، تخضع مفاوضات تسمية رئيس الوزراء الشيعي الجديد إلى مساومات سياسية وحزبية تشمل رئاستي مجلس النواب (للسنّة العرب)، والجمهورية (للأكراد)، إضافة إلى المناصب الوزارية ذاتها والوظائف الإدارية الكبرى، بالإضافة طبعاً إلى ما تفرضه التأثيرات الإقليمية. وفي هذا السياق، يذكّر مراقبون بما أفضت إليه نتائج انتخابات عام 2010، والتي فازت فيها كتلة رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي بـ 91 مقعداً، متقدمة كتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بمقعدين. وبموجب الدستور الذي ينص على وجوب أن تُكلّف الكتلة الأكبر الفائزة بتأليف الحكومة، كان يُفترض أن تُسند المهمة حينذاك إلى علاوي. لكنّ المالكي هو من شكّل الحكومة الثانية له بعدما أوجدت المحكمة الدستورية ما يُعرف بـ”فتوى الكتلة الأكبر”، وبموجبها صار يُعتدّ بالتحالفات التي تنشأ داخل البرلمان بعد الانتخابات لا قبلها. وبعدما أطاحت تداعيات سيطرة “داعش” على الموصل وثلث الأراضي العراقية في 2014 بالحكومة الثانية للمالكي، الفائز بانتخابات تلك السنة، بقي منصب رئاسة الوزراء في يد حزب “الدعوة الإسلامية” لكن بعد خلافات داخلية وانقسامات أفضت إلى تكليف حيدر العبادي بتأليف الحكومة الجديدة. وعقب انتخابات أيار (مايو) 2018 التي قالت منظمات حقوقية عراقية وأجنبية إنها شهدت تزويراً كبيراً، أدّت مفاوضات عسيرة إلى تأليف حكومة برئاسة عادل عبد المهدي في تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه، من دون أن يكون جزءاً ذا تأثير في المعركة الانتخابية التي تصدّر “التيار الصدري” نتائجها وتلاه ائتلاف “الفتح” بزعامة هادي العامري ثم “النصر” بقيادة العبادي يليه “دولة القانون” بزعامة المالكي. عصفُ “تشرين”وفي حين كانت الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية تتفاقم نتيجة استشراء الفساد، كان خبراء عراقيون وغربيون يعزون التراجع المستمر في الأداء الحكومي العراقي إلى تلك التسويات الهشة التي تعقب كل انتخابات وتلغي نتائجها عملياً. وجاءت “انتفاضة تشرين” في 2019 لتعصف بحكومة عبد المهدي بعد مقتل أكثر من 600 متظاهر وسقوط آلاف الجرحى. وأيضاً، من خارج أي حسابات انتخابية، آلت رئاسة الوزراء إلى رئيس جهاز الاستخبارات العراقية حينها مصطفى الكاظمي، الذي سُمّي لتأليف الحكومة بعد تعثّر أسماء أخرى لم تحظ بقبول القوى السياسية وقوى التظاهرات. وبدا الكاظمي حينها الأقرب إلى قبول فئات من المتظاهرين في مقابل اعتراض فئات أخرى منهم، وتمكّن في النهاية من تأليف حكومة تتعهّد بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، قُررت بداية في حزيران (يونيو) 2021 ثمّ أرجئت بطلب من مفوضية الانتخابات إلى الموعد الذي أجريت فيه أمس الأحد. فهل تتغيّر المسألة هذه المرة ويكون لنتائج هذه الانتخابات تأثير حاسم في تحديد اسم من سيشكل الحكومة المقبلة؟ لا دليل على ذلك بعد، لكن ثمة بعض المؤشرات التي يجدر التوقف عندها، وقد تكون جزءاً من التفاوض المبكر. الصدر و”الكتلة الأكبر”الصدر كان واضحاً في إشارته مرّتين، خلال كلمته التي وجّهها إلى العراقيين عقب إعلان تصدره النتائج مساء الإثنين، إلى كتلته بأنها “الكتلة الأكبر”، التي يحق لها تسمية رئيس الوزراء. وعشية الانتخابات كان واضحاً بالقول إنه يريد “جعل رئيس الوزراء المقبل صدرياً” بعدما سبقه رؤساء حكومات حزبيون وواحد مستقل، هو الكاظمي نفسه، الذي يأمل الآن أن تبقيه في منصبه تسويةٌ مماثلة للتي جاءت به في المرة الأولى. عوامل عدة مختلفة هذه المرة عمّا كانت عليه الأمور في الانتخابات السابقة، وقد تكون الأكثر تأثيراً في تحديد مسار المرحلة المقبلة. فهذه الانتخابات هي الأولى التي تحمل صفة “مبكرة”، وجاء ذلك نتيجة انتفاضة شعبية بعد استفحال الفساد في مؤسسات الدولة وتغوّل قوى مسلّحة في مفاصلها. ورغم مقاطعة فئات رئيسية من القوى المنبثقة عن “انتفاضة تشرين” الانتخابات، حقق مرشحون محسوبون عليها نتائج جيدة، لكن لا يُعرف ما إذا كانوا سيُؤخذون في الاعتبار حين تجتمع القوى الكبرى، بما فيها المنتكسة انتخابياً، لتقرير ما سيكون. ولا بدّ كذلك من رصد ما ستؤول إليه التحالفات، وأيٌّ منها سيتمكن من جمع العدد الكافي من النواب لمنح الحكومة الجديدة الثقة. فما أعلن قبل الانتخابات قد لا يبقى على حاله، إن اقتضت الحسابات الإقليمية خريطة سياسية مغايرة، ولا سيما أن العراق شهد في الشهور الأخيرة انفتاحاً كبيراً في علاقته بالدول الخليجية، واستضاف “مؤتمر بغداد” الذي جمع خصوماً إقليميين إلى طاولة واحدة، ويستضيف منذ شهور جولات حوار مباشر بين السعودية وإيران. والحكومة المقبلة هي من ستتعامل مع واحد من التحديات الكبرى التي تواجه العراق في نهاية السنة، بعدما تنسحب القوات القتالية الأميركية من البلاد بموجب اتفاق مشترك، في حين لا تزال صورة الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان ماثلة أمام الجميع.فهل يكون لهذه المعطيات دور في تحديد اسم رئيس الوزراء المقبل، أكثر من نتائج الانتخابات؟