هل من مفاوضات سلام للتهدئة؟

1

داود الفرحان

داود الفرحان كاتب عراقي

لا شك في أنَّ الطرفين في موسكو وكييف استخدما كل ما يستطيعان استخدامه قبل «يوم القيامة». وأعقب بوتين ذلك بتصريح من «صندوق الدنيا والآخرة» في الشهر الماضي، قال فيه: «إن بلاده لم تخسر شيئاً، ولن تخسر شيئاً».
والولايات المتحدة، ومعها حلف «الناتو»، يعرفون أن أسس العقيدة النووية الروسية «ذات طابع دفاعي، وتهدف إلى المحافظة على إمكانات القوات النووية عند مستوى كافٍ، لضمان ردع عدو محتمل عن عدوان على الاتحاد الروسي أو حلفائه».
في الحروب النووية، لا مجال لتجنب المخاطر العسكرية، أو سوء استخدام شروط الأسلحة النووية، كالادعاء بأن الطرف البادئ بها أولاً استند إلى «معلومات موثوقة»، سواء ذرية أو كيماوية أو بيولوجية. لا معنى في هذا الصدد لكلمات جوفاء، مثل: «التصعيد»، و«التفوق»، و«الردع»، و«العقيدة»، و«الاستراتيجية»، فكل ذلك سواء سمعناه من الروس، أو الأوكرانيين الذين اغتالوا المدنيين العراقيين، حين كانوا جزءاً من قوات الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003.
اللجوء إلى القنابل الذرية ليس مثل اللجوء إلى كرة القدم في الأولمبياد، أو الاستخدام العادي والمألوف للمدافع أو قصف الدبابات أو زرع الألغام. يكفي أن نعلم أن القنبلتين الذريتين الأميركيتين اللتين ألقيتا في أواخر الحرب العالمية الثانية، 1945، على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين قتلتا فوراً مئات الألوف من البشر الأبرياء، بين طفل وشيخ وامرأة، وأن التسمم الإشعاعي النووي تسبب في ضعفي هؤلاء الضحايا في السنوات اللاحقة. وبررت الولايات المتحدة هذه المجازر بأنها «أفضل طريقة» لتجنب أعداد أكبر من القتلى إذا استمرت الحرب فترة أطول!
بعد عام من الحرب الأوكرانية، يتجاوز الرئيس بوتين كل هذا الدمار الهائل والتجويع العالمي، وتلوث المناخ أرضاً وبحراً وجواً، فيقول: «إن الحرب لم تبدأ بعد»!
لا أظن أن روسيا ستضرب أوكرانيا بقنبلة ذرية أو أكثر، وتنسى الجنسيات الروسية لممثلي ثقافة وحضارة روسيا العريقة، من بوشكين وتولستوي وتشيخوف إلى دوستويفسكي وباسترناك، وكلهم في الأدب. أما تشايكوفسكي فهو أشهر الموسيقيين الروس. وترتبط الثقافة المسرحية والموسيقية العربية بالفنون القيصرية والمعاصرة الروسية، عبر «شهرزاد» بطلة «ألف ليلة وليلة»، و«عنترة بن شداد» في مسرحية عن الشاعر البطل الأسطوري القديم وحبيبته «عبلة».
وإذا نسينا ذلك التراث، فهل ننسى سيمفونية «كارمينا بورانا»، أو «كسارة البندق»، أو «بحيرة البجع»؟
لأجل كل هذا التراث الراقي، يُفترض أن تضع روسيا القنابل النووية جانباً، وتفتح صالة المفاوضات في قصر الكرملين، لتستضيف الرئيس الأوكراني زيلينسكي.
لماذا لا يتم جمع الرئيسين: الروسي بوتين، والأوكراني زيلينسكي، لإجراء مفاوضات سلام دائم بين روسيا وأوكرانيا، في أي مكان في العالم، حتى ولو كان في مركبة فضائية، لتجاوز الحساسيات الجغرافية والسياسية والأمنية الأرضية؟
كانت في العراق، قبل نصف قرن، مطربة عراقية اسمها وحيدة خليل، تخاصمت مع حبيبها قبل عقد قرانهما، ورفض الحبيب عقد أي اجتماع لتصفية الأجواء بينهما، فاقترحت المطربة السفر في مركبة فضاء روسية، وعقد اجتماع بينهما، على أن «يكون القمر شاهداً عليهما» كما ورد في كلمات الأغنية الشهيرة! وقليل من الملح لا يفسد الطعام.
أظن أن الرئيسين مستعدان لعقد اجتماع سلام للتفاوض، كما قالا في مناسبتين منذ أشهر، وكل منهما بشروطه؛ لكنهما اختلفا. سيكون ذلك لو تحقق أول وأعظم اجتماع سياسي من نوعه ومكانه لتهدئة روع العالم.
لقد أمضى العالم أكثر من 75 عاماً يدعو إلى وضع حد لانتشار الأسلحة النووية، وشهدت الشوارع مظاهرات ولافتات تدعو إلى إزالة هذه الأسلحة بشكل طوعي أو مُلزم في الدول المتقدمة والدول النامية. وتعاقب الرؤساء الأميركيون والأوروبيون والآسيويون والأفارقة، على الدعوة إلى مراقبة الدول «المشبوهة» بإقامة مفاعلات نووية سرية لتصنيع قنابل نووية، وشن حروب ذرية على جيرانها أو أعدائها. إلا أن أياً من هذه الدول النووية لم تتقدم خطوة واحدة لتحقيق مطالبها. بل إن هذه الدول كانت -وما زالت- تحارب بالأسلحة التقليدية ومضاداتها. وكاد العالم أن يخنق الممتنعين أو المتلكئين، عقاباً لهم على مضيهم قُدماً في طريق المفاعلات والقنابل الذرية.
فلنفكر جيداً: إن بوتين لا يمكن أن يغادر المسرح من دون تحقيق بعض مطالبه الصعبة. وزيلينسكي من العسير أن يتنازل عن 4 مقاطعات وشبه جزيرة القرم. أقول هذا بصرف النظر عن الدمار الذي حلّ بأوكرانيا، واليوم صارت منافسة لأفغانستان وسوريا والعراق واليمن وإثيوبيا، ولا أريد تسمية لبنان.
الاتحاد الأوروبي لا يملك أي حلّ بعد كل ما حصل منذ بدأت الحرب الأوكرانية. وكذلك مجلس الأمن الدولي. أما الرئيس الأميركي جو بايدن فحلمه أن ينال جائزة نوبل عن المناخ.
وما يطمئن سكان الأرض أن الأبحاث العسكرية تتفق في نقطة واحدة، وهي أن الأسلحة النووية قد لا تجعل العالم أكثر خطورة مما هو الآن؛ لكنها قد تجعلنا أكثر أماناً. فلا يُقدم الرئيس الروسي بوتين –مثلاً– على استخدام قنابله الذرية على أوكرانيا، وفي الوقت نفسه لا يجرؤ الرئيس الأميركي بايدن على الدفاع عن أوكرانيا بما يملكه من قنابل ذرية. وهو التفسير الصعب لحالة «الشلل النووي» في هذه الحرب، ما دامت الأسلحة الأخرى التقليدية تقوم بالواجب. وهو كلام شديد الوطأة، وقد يصفه البعض باللاواقعية.
ثمة أمل في الهند وباكستان. دولتان نوويتان متجاورتان في قارة واحدة، وجارتا العمر كله؛ بل إن باكستان كانت جزءاً من إمبراطورية الهند، تماماً مثلما كانت أوكرانيا جزءاً من الاتحاد السوفياتي قبل انهيار الستار الحديدي. وقامت بين الهند وباكستان أكثر من حرب بسبب إقليم كشمير، إلا أنهما لم تقتربا من خزينهما النووي لحسم الحرب أو التهديد به.

التعليقات معطلة.