هل نشهد عودة أمريكية في أفغانستان؟

3

 

 

أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحًا أثار اهتمام المراقبين حين قال: “نتحدث الآن مع طالبان. نريد أن تعود قاعدة باغرام الجوية، ونريدها قريبًا. فورًا – وإذا لم يفعلوا ذلك، ستكتشفون ما سأفعله”. هذا التصريح لا يبدو مجرد مناورة كلامية، بل إشارة إلى إمكانية عودة أمريكية مباشرة إلى أفغانستان بعد أربع سنوات من الانسحاب الذي وُصف بأنه الانتكاسة الأكبر لواشنطن منذ حرب فيتنام.

رمزية باغرام

قاعدة باغرام الجوية لم تكن مجرد منشأة عسكرية، بل مثلت قلب المشروع الأمريكي في أفغانستان طوال عقدين، ومركز إدارة الحرب على الإرهاب. خروج القوات الأمريكية منها في 2021 كان بمثابة طيّ صفحة كبرى في الاستراتيجية الأمريكية، لكنه ترك فراغًا سارعت قوى مثل روسيا، الصين، وإيران إلى ملئه.

توقيت التصريح

اللافت أن تصريح ترامب جاء مباشرة بعد زيارته التاريخية إلى بريطانيا ولقائه الملك تشارلز الثالث. هذه الزيارة حملت رسائل سياسية عميقة تتجاوز الطابع البروتوكولي، وأعادت التأكيد على متانة العلاقة الأمريكية – البريطانية. من هنا يمكن قراءة حديثه عن أفغانستان كجزء من تفاهمات أوسع مع لندن، خصوصًا أن بريطانيا كانت شريكًا رئيسيًا في الحرب الأفغانية ولها مصالح استراتيجية في آسيا الوسطى.

لماذا الآن؟

تأتي الخطوة في وقت يشهد العالم تصاعد أزمات كبرى:

الحرب في أوكرانيا التي تعيد تشكيل موازين القوى.

التمدد الصيني الذي يثير قلق واشنطن في آسيا.

التقارب الروسي – الإيراني الذي يضغط على مصالح الغرب في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

من هذا المنطلق، تبدو أفغانستان موقعًا مثاليًا لإعادة تموضع أمريكي، فهي تطل على الصين من الشرق، وعلى إيران من الغرب، وعلى فضاء النفوذ الروسي من الشمال.

طالبان أمام اختبار جديد

بالنسبة لطالبان، فإن القبول بعودة أمريكية إلى باغرام يعني هزة عميقة لشرعيتها أمام قواعدها الصلبة، فيما الرفض قد يفتح الباب لمواجهة مباشرة مع واشنطن. هذا التحدي قد يعيد تشكيل المشهد الأفغاني برمته، ويضع الحركة في قلب لعبة توازنات دولية لا تملك وحدها القدرة على إدارتها.

كيف يساهم وجود في باغرام في «فرض طوق» على إيران؟

الضغط اللوجستي والاستخباراتي: 

قاعدة في باغرام تمنح واشنطن نطاق رصد وكفاءة عند الحدود الشمالية الغربية لإيران (عبر آسيا الوسطى)، وتسهّل جمع معلومات استخبارية تُستخدم ضد شبكات التهريب وتأمين خطوط الاتصالات بين طهران ووكلائها.

قدرة الردع السريع: وجود قوة جوية ورادارات متقدمة قرب جغرافيا إيران يقلّل من هامش المناورة لطهران ويزيد من كلفة أي تحرّك معاكس من قبلها أو وكلائها.

التحالفات الإقليمية: إعادة واشنطن إلى معادلات أفغانستان تفتح نافذة للتنسيق مع حلفاء إقليميين (باكستان، دول الخليج، وبعض دول أوروبا) لخلق منظومة ملحقة من الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية على طهران.

تصريح ترامب حول باغرام لا يبدو منفصلاً عن سياسةٍ أوسع لاستهداف قدرة إيران الإقليمية والنووية. استعادة موضعٍ في أفغانستان حتى لو كانت بصيغ تفاوضية يمكن أن تصبح أحد أذرع «الطوق الشامل» على طهران، يكمّل العقوبات والضربات الاستباقية والضغط الدبلوماسي .

 من هنا ندرك ان تصريحات ترامب لا يمكن اختزالها في إطار تهديد عابر، بل تعكس توجهًا جديًا لإعادة واشنطن إلى قلب آسيا. الربط بينها وبين زيارته إلى بريطانيا يوحي بأننا أمام مرحلة تنسيق غربي جديد، ربما يعيد تشكيل المشهد في أفغانستان والمنطقة برمتها. السؤال المطروح: هل نحن بالفعل أمام عودة أمريكية إلى أفغانستان، أم أن طالبان ستنجح في فرض معادلة جديدة على واشنطن وحلفائها؟

التعليقات معطلة.