دخل الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز بها على منافسه الرئيس الحالي دونالد ترامب، رافعاً شعار استعادة دور القيادة العالمية للولايات المتحدة وهو مناقض لشعار “أمريكا أولاً” الذي أطلقه الرئيس ترامب. وبينما يحتاج برنامج بايدن لولايته القادمة إلى وقت ليس باليسير لتغيير العديد من السياسات غير التقليدية التي جاء بها سلفه، فإنه لا ريب سيحتاج وقتاً موازياً لإطلاق العنان لتنفيذ برنامجه الذي من المأمول ألا يكون نسخة محدّثة عن برنامج باراك أوباما، وألا تكون رئاسة بايدن أشبه بالرئاسة الثالثة للرئيس الأسبق الذي كان بايدن نائباً له لدورتين رئاسيتين، وقد أصبح يُطلَق على العهد الجديد، تندّراً، بعهد “أوباما 3”.
المشاريع الأساس التي سيطلقها بايدن وأعضاء فريق سياسته الخارجية حال دخولهم البيت الأبيض في 20 يناير من العام القادم 2021 التي تندرج ضمن برنامج متكامل تم ترويجه خلال حملته، ستواجه تحديات جمّة نظرا لحالة الانقسام السياسي الذي تعاني منه الولايات المتحدة الراهنة كما ورثها عن سلفه.
أما في حال فاز الجمهوريون بمقعدي مجلس الشيوخ في جولة إعادة الانتخابات في ولاية جورجيا، فسيكون الانقسام على المستوى العمودي مهولاً ضمن أروقة البيت السياسي، وقد يتفوّق على الانقسام الأفقي في الشارع الأمريكي بعد أن حصد ترامب ما يقارب 74 مليون صوت من أصوات الناخبين، ما يشكّل حصّالة جماهيرية عظمى سيعتمد عليها في الترشّح لانتخابات 2024، بناء على ما أعلنه مؤخراً عن نيّته خوض غمار الانتخابات الرئاسية في دورتها القادمة.
ومن المتوقّع أن يستمر ترامب في تحطيم الثوابت البروتوكولية لعملية الانتقال السياسي، ويتجنّب حضور حفل تنصيب الرئيس المنتخب كما جرت عليه الأعراف السياسية منذ تأسيس الدولة، بينما سيكون هو ومؤيدوه متواجدين في اليوم عينه في واشنطن ضمن تجمّع كبير يتم الإعلان فيه عن ترشّحه للانتخابات الرئاسية التالية.
وكانت حملة ترامب قد تمكنت من جمع ما يقارب 150 مليون دولار إثر إعلان فوز بايدن الذي لم يعترف به ترامب وأنصاره حتى الآن. وتقوم الحملة بتوزيع التبرعات على شقّين، الأول يختصّ بأجور المحامين الذين يترافعون في الدعاوى القضائية في العديد من الولايات لإثبات “التزوير” الذي لحق بالعملية الانتخابية، والثاني لتمويل العمل السياسي لحركة “أنقذوا أمريكا” التي أطلقها الرئيس ترامب بعد أسبوع واحد من انتخابات الثالث من نوفمبر الماضي، لتكون الحامل القانوني لتمويل خططه السياسية ما بعد مغادرته البيت الأبيض.
مع استعداد بايدن وفريقه الرئاسي لدخول البيت الأبيض، يتعيّن على الرئيس الجديد أن يبدأ فوراً في تنفيذ ما وعد به الشعب الأمريكي خلال حملته من مشاريع كبرى، حيث ستكون المئة يوم الأولى من رئاسته محكّاً صعباً لمصداقيته في ما تعهّد به أمام الناخب الذي منحه صوته وثقته.
التحدّي الأعظم شأنا لإدارة الديمقراطيين المقبلة يتمثّل في ابتكار الوسائل لاحتواء انتشار فايروس كورونا، وقد بلغت عدد الإصابات به هذا الأسبوع رقما قياسيا غير مسبوق في الولايات المتحدة. هذا الأمر منوط بتطبيق السرعة القصوى في إنتاج وتوزيع جرعات اللقاح اللازمة في فترة قياسية أيضاً، علما وأن اللقاح هو من إنجازات إدارة ترامب التي ما انفكّ خصومه الديمقراطيون عن اتهامه بالإخفاق في توفيرها لحصار الجائحة وبتقاعسه في إنقاذ الأرواح، وهو الشعار الذي رفعوه في حملتهم وربحوا الانتخابات بناء عليه.
وفي حقيقة الأمر من غير المعروف الآن كم سيتمكّن الفريق الجديد في البيت الأبيض من تحقيق أي إضافة على إنجاز ترامب في توفير اللقاح الآمن إلى جانب توفيره عددا من الأدوية العلاجية الناجعة، وقد استعملها بنفسه حين إصابته بالفايروس، ثم جعلها في متناول العموم.
التحدي التالي للرئيس بايدن الذي لا يقلّ شأناً عن مواجهة كوفيد–19 يتمثّل في كيفية التعاطي مع الملف الإيراني الذي يدخل في تعقيدات جديدة ترتبت على الحدث الكبير الذي زلزل أركان دولة الولي الفقيه، إثر عملية اغتيال نوعية لم يتدخل فيها العنصر البشري في ضواحي العاصمة طهران، استهدفت وأودت بحياة الرأس المدبّر للبرنامج النووي الإيراني للوصول إلى القنبلة النووية الإيرانية، عالم الفيزياء محسن فخري زادة.
من المتوقع أن اغتيال فخري زادة الذي جاء بعد أشهر قليلة من اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، سوف يُعلي من أصوات المتشددين الذين يسيطرون على مجلس الشورى في طهران، ويعزّز من موقفهم القديم الجديد بضرورة الانسحاب الكامل من التزامات إيران ببنود الاتفاق النووي الذي كانت إدارة الرئيس الأسبق أوباما، قد دفعت بقوة للتوصل إليه مع الفرقاء الدوليين في العام 2015.
خطة بايدن لمعالجة الملف النووي الشائك من خلال إحياء اتفاق فيينا الذي انسحب منه سلفه ترامب في العام 2018، كانت ستكون أيسر خارج الاغتيالات تلك، حيث تطغى على طهران أجواء من سخط المتشددين الذين طالما شككوا في الاتفاق النووي، ويطالبون اليوم باستقالة وزير الخارجية، جواد ظريف، لقناعة لديهم بأن الاغتيالات لم تكن لتحدث لولا انخراط إيران في الاتفاق الذي قاده الأخير. هذا بينما يتخوّف المعتدلون منهم من أن يؤدي مقتل فخري زادة إلى تصعيد التوتر الإقليمي، الأمر الذي سيهيّئ سببا كافيا ينتظره الرئيس ترامب لشن ضربات قاسمة على المنشآت الإيرانية النووية قبيل خروجه من موقع الرئاسة بأسابيع معدودة.