قد يواجه عجزاً في توفير رواتب الموظفين والمتقاعدين الذين يصل عددهم إلى نحو 10 ملايين شخص
يعتمد الاقتصاد العراقي بشكل شبه كامل على مبيعات النفط العراقي بالدولار الأميركي (أ ف ب)
تسببت القيود التي فرضها البنك الفيدرالي الأميركي على البنك المركزي العراقي في ملف الدولار، والبدء بإدخال التحول المالي العراقي ضمن نظام “سويفت”، بسلسلة من الأزمات أدت إلى انكماش السوق العراقية وتراجع القدرة الشرائية لأغلب العراقيين خلال الأسابيع الماضية.
وعلى رغم هذه الإثار السلبية، لكن الأزمة التي قد تواجه الحكومة العراقية وتهدد بغضب الشارع العراقي، هي توفير رواتب الموظفين والمتقاعدين والمشتركين بالرعاية الاجتماعية، الذين يصل عددهم إلى نحو 10 ملايين شخص، تخصص لهم نحو ستة تريليونات دينار عراقي.
الدولار النفطي
ويعتمد الاقتصاد العراقي بشكل شبه كامل على مبيعات النفط العراقي بالدولار الأميركي، التي يتم تحويلها من خلال وزارة المالية العراقية إلى البنك المركزي، الذي يبيعها إلى المصارف للحصول على الدينار العراقي لتمويل حاجات الدولة العراقية من نفقات تشغيلية واستثمارية في جميع مجالات الحياة.
وفي ظل غياب أي مورد آخر غير النفط لجلب الدولار بالتزامن مع غياب نشاط اقتصادي حقيقي أو إيرادات أخرى للحكومة العراقية من الضرائب والرسوم والاستثمارات، فإن الحصول على الدينار العراقي سيصبح أمراً صعباً للغاية، وقد تضطر بغداد إلى استخدام بدائل، ستتسبب في زيادة معدلات التضخم في البلاد.
ودفعت أزمة الدولار رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، إلى إقالة محافظ البنك المركزي مصطفى غالب، وإعادة المحافظ السابق علي العلاق إلى منصبه، وإقالة سالم الجلبي مدير المصرف العراقي للتجارة، وهو أهم مصرف حكومي يستخدم في التحويلات المالية العراقية إلى الخارج.
توظيف الملايين
ومنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، فتحت الحكومات العراقية المتعاقبة بضغط من الأحزاب المشاركة في العملية السياسية، الباب واسعاً أمام التعيينات في دوائر الدولة العراقية كجزء مهم من حملتها الدعائية للانتخابات، الأمر الذي رفع عدد العاملين في القطاع العام من 850 ألفاً عام 2003 إلى أربعة ملايين موظف وعامل وأجير ومتعاقد يتقاضون نحو 43 تريليون دينار عراقي نحو (29 مليار دولار) سنوياً، يضاف لهم ملايين من المتقاعدين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية، ليصل العدد إلى نحو 10 ملايين شخص، بحسب وزارة التخطيط العراقية.
طباعة الدينار
ويرجح الخبير المالي محمد داغر أن يلجأ البنك المركزي العراقي إلى إصدار نقود جديدة من الدينار لتلبية حاجاته المتمثلة بدفع رواتب الموظفين، إذا استمرت مبيعاته على هذا النحو، فيما أشار إلى أن “المركزي لديه ما يكفي حالياً من العملة المحلية”.
وقال داغر إن “قضية الرواتب خط أحمر لا يمكن المساس بها، وإذا لم نحصل على دنانير عراقية من خلال نافذة بيع الدولار، فعلى البنك المركزي العراقي أن يصدر نقوداً جديدة”، مبيناً أن تكلفة رواتب الموظفين تصل إلى ستة تريليونات دينار يجب تغطيتها، على رغم مخاطر زيادة الكتلة النقدية المتمثلة بالتضخم.
الدولار مرفوض
واستبعد داغر أن توزع الرواتب بالدولار الأميركي بدل الدينار إذا لم يتوفر دينار عراقي لدى البنك المركزي، لاعتبارات وطنية وأخرى اقتصادية تتمثل بإمكان ارتفاع الأسعار.
وأكد أن “البنك المركزي لديه احتياط من العملة المحلية ويستطيع أن يناور به ويلبي الاحتياجات”.
إجراءات بديلة
في السياق، أكد المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح أن البنك المركزي العراقي لديه إجراءات بديلة موقته لامتصاص السيولة، وهي طور الدراسة وبانتظار تطبيقها، إلا أنه لم يفصح عن تلك الإجراءات.
ورأى المتخصص بالشأن الاقتصادي صفوان قصي، أن العراق يعاني من عجز بمقدار أربعة تريليونات دينار شهرياً نتيجة انخفاض مبيعات الدولار، فيما أشار إلى مجموعة من الحلول لسد العجز منها إصدار سندات بالدينار العراقي.
خطوات اقتصادية
وقال قصي إن “نافدة بيع العملة انخفضت بمعدل 130 مليون دولار يومياً، بحدود 200 مليار دينار، مما سيؤدي إلى انخفاض إمكان الحصول على الدينار العراقي للإيفاء بمتطلبات الموازنة التشغيلية والاستثمارية”، لافتاً إلى “أهمية توسيع منافذ الحصول على الدينار، مثل بيع جزء من ممتلكات الدولة بالدينار العراقي لتغطية العجز بالدينار”.
العجز خلال أشهر
وأوضح أن “العجز لن يظهر في الأشهر القريبة المقبلة، فهناك أرصدة دينارية لدى البنك المركزي، ومن الممكن أن يصدر البنك المركزي سندات دينارية للحصول على الدينار لتمويل العجز”، مشيراً إلى أن “المركزي العراقي يحاول الابتعاد عن إصدار عملات جديدة لأنها ستؤدي إلى انخفاض قيمة الدينار أكثر مما هو عليه حالياً”.
وأضاف قصي أنه “بالإمكان الحصول على الدينار العراقي من خلال توسيع الخدمات الحكومية وإجراء مصالحة ضريبية وجمركية مع جميع المكلفين هذه الرسوم للحصول على جباية الدينار العراقي، فضلاً عن المضي في هذه المرحلة من خلال تعزيز الإنفاق الاستثماري”.
الفدرالي يساعد العراق
وتابع قصي أن “الفيدرالي الأميركي يرغب بتحسين الوضع الاقتصادي للعراقيين وخلق فرص عمل، فكلما رفعنا مستوى الإنفاق الاستثماري مع شركات عالمية كلما حصلنا على دولار، وتحويله إلى دينار عراقي للإنفاق على هذه المشاريع”، مشيراً إلى أن “أمام العراق السير باتجاهين، الأول تعزيز إمكان الحصول على الدولار من خلال البنك الفيدرالي ومن خلال الموازنة الاستثمارية والإنفاق الاستثماري مع شركات عالمية معروفة، وثانياً توسيع الخدمات الحكومية وجباية الدينار لكي تسدد مستحقات المشمولين بالالتزامات الدينارية في الأوقات المناسبة”.
50 تريليون دينار سنوياً
وبين قصي أن مقدار العجز الشهري يبلغ 2.5 مليار دولار، أي بحدود أربعة تريليونات دينار عراقي، بالتالي نحتاج إلى 50 تريليون دينار سنوياً بحدود (34 مليار دولار)، مؤكداً أن المتوفر الآن لدى الوزارات العراقية والبنك المركزي أقل من هذا الرقم، مما سيعني أن الحكومة ستواجه مشكلة خلال الأشهر الستة المقبلة.
ويستطيع البنك المركزي إصدار العملة النقدية بحسب القانون لتغطية العجز، لكن من الأفضل عدم إصدارها والحفاظ على الكتلة النقدية، التي هي 84 تريليون دينار عراقي (57 مليار دولار) مصدرة من قبل البنك المركزي، بحسب قصي، الذي أكد أن “تغطية العجز عبر إصدار عملات جديدة سيسهم في انخفاض قيمة الدينار”.
ولفت إلى أن هناك أكثر من 70 تريليون دينار (47 مليار دولار) لدى العراقيين، ومن الممكن سحب جزء منها للإيفاء بالالتزامات من خلال بيع أراضي الدولة وممتلكاتها بالدينار العراقي، وإصدار سندات دينارية، مما يسهم بامتصاص الدينار الفائض عن الحاجة.