عبد الرحمن الراشد
اليوم يبدأ السوريون عهداً جديداً يتخلَّصون فيه من كلّ ما يذكّرهم بستينَ عاماً من حكمه وتاريخ والدِه حافظِ الأسد.
سيُسدلُ السّتار على علمِ النَّجمتين ويُرفع علمُ الاستقلال ذو النَّجمات الثلاث، ويُغلق حزبُ البعث، وتُحَلُّ الفرقةُ الرابعة المرعبة، وتنتهي العَلاقةُ الخاصةُ مع إيران وروسيا، ومراكزها الثقافية. ويعود اثنا عشرَ مليون سوري مهجّرين ونازحين من الداخلين والخارج إلى وطنِهم، ويُطوى بذلك تاريخُ دولةٍ تأسست على انقلابِ عام 1963.
لاحتِ السعادةُ على وجوه السوريين كأنَّهم يخرجون من حبس كبير، بعد أكثرَ من ستة عقود عاشوها في بلد بوليسي، منغلقٍ اشتراكي، مليء بالسجون والمعتقلين. رافقهم الفقرُ عاماً بعد عام، واستمرت الليرةُ في الانهيار حتى لم يعد لها قيمة. وقد جرّب بشارُ الأسد أن يهزمَ الثوار برفع مرتباتِ جنودِه إلى النّصف، لم يكن سوى 17 دولاراً في الشهر.
ترك البلادَ مفكّكةً محتلة، قوات أميركية، وميليشيات إيرانية وأفغانية وعراقية ولبنانية. تداولوا الدولارَ الأميركي في القامشلي والليرةَ التركية في حلب، كانت الدولةُ مجردَ علم في دمشق،
وعندما ثارتِ الحربُ وسقطت حلب، لم يستغرقُ الأمرُ سوى 17 يوماً حتى تصلَ المعارضةُ المسلحة إلى دمشقَ وتصعدُ جبلَ قاسيون. لقد رفضَ الجنودُ القتال.
الكثيرُ من الآمال يحلمُ بها أكثرُ من عشرين مليون سوري فهل حقاً ينتظر سوريا أخيراً الفرجُ وتعودُ دمشقُ عاصمةَ الحضارات؟
سوريا تستحقُّ فرصتَها بعد ستين عاماً من الانتظار. لكنَّ بناءَ الدولةِ أصعب، والتحديات أمام السوريين كثيرة.
لقد أظهر أحمد الشرع، قائدُ العمليات العسكرية، شخصيةً لا تشبه أحداً ممن حكموا سوريا في نصفِ قرن. قالَ كلاماً جامعاً وعادلاً ورحيماً، ووجدَ ترحيباً من كلّ السوريين. وهو في الدَّرب إلى دمشقَ أظهر شخصيةً قياديةً حكيمة، دخلَ عشرات المدن والبلدات بقواتِه من دون أن تُنهبَ أو تُسلب أو تثأر. ولا ندري بعد من سيحكمُ عاصمةَ الأمويين.
سلَّم مدينةَ السلمية للإسماعيليين ليديروا شؤونَهم بأنفسهم، وزارَ قلعةَ حلب التاريخية، ثاني أكبر مدن سوريا، بعد سيطرة مقاتليه عليها، موجّهاً رسائلَ طمأنة إلى المسيحيين بأنَّهم لن يتعرضوا لأي أذًى. وعندما أعلنَ السيطرةَ على حماة وعدَ ألا يكون هناك «ثأر» للمجزرة التي ارتكبت في المحافظة في عهد حافظِ الأسد.
لقد لعبً الأسدان على عاملِ الخوف عند الأقليات لضمان تأييدهم، ومع ذلك لا ننسَى أنَّ العديدَ ممَّن قادوا الثورة كانوا علويين ومسيحيين وأكراداً مع الغالبية السنية.
هل سقوط الأسدِ يعني أنَّنا أمام بداية سوريا موحدة، ثورتها لا تشبه ثورةَ ليبيا ولن تلقَى مصيرَها؟
هناك الكثير ممَّا يستحقُّ الحديثَ عنه لاحقاً .