هل يجب على الأكراد الاعتماد على حلفاء غير مؤكدين؟

1

ماغنوس نوريل

كوردو باكسي
كوردو باكسي، كاتب وصحافي وخبير في علم الاجتماع، وهو كردي يحمل الجنسية السويدية. وفاز بجائزة “أولوف بالمه” عام 1999. ماغنوس نوريل، هو واحد خبراء الشرق الأوسط الرائدين في السويد، واخر مؤلفاته كتاب بعنوان “عودة الخلافة: الأسباب والعواقب.”

كان لدى غالبية الأكراد أمل كبير في أن أكراد العراق وسوريا سيتمتعون بمستقبل سياسي أفضل بعد هزيمة تنظيم “داعش” في الموصل والرقة، حيث نجح الأكراد في منع الأكراد الإرهاب العالمي من الانتشار. ولم ينتظروا شيئًا في المقابل، بل أملوا في أن تُحترم حقوقهم الأساسية كأمّة. وقد أشيد بجهود قوات البشمركة و”وحدات حماية الشعب”. وأمل كل كردي ولا يزال يأمل في ألّا يغدره المجتمع الدولي. فهل سيتم التخلي عن الأكراد بالرغم من كل كفاحهم ضد الإرهاب العالمي حتى يتمكن الناس من التنقل في المترو والرقص في حفلة موسيقية أو التمتع بمباراة كرة القدم في لندن وباريس وواشنطن أو ستوكهولم؟

ومع ذلك، أخشى أن يكون لدى الأكراد أسباب للخوف من حصول ذلك مرة أخرى. فبعد أربع سنوات من الحرب ضد “داعش”، لم يحقق الأكراد أحلامهم، بل يشعر كل كردي بقلق كبير الآن على أكراد سوريا لأن كارثة استفتاء إقليم كردستان لا تزال حاضرةً في أذهانهم. وإذا كان الأكراد لا يستطيعون الاعتماد على الدعم الخارجي، ربما ينبغي أن يعتمدوا أكثر على مغتربيهم للحصول على مشورة حكيمة في التعامل مع العديد من المعضلات الأجنبية والمحلية.

عاد بعض الخريجين والسياسيين والمثقفين الأكراد المندثرين في الشتات إلى إقليم كردستان بعد عام 1992 لأنهم رأوا إمكانيةً للمساعدة في بناء دولة كردية. ولكن عندما عادوا، بدأت الحقائق تنجلي. فإن وجودهم في “أرض المعركة ” يختلف كليًا عن العمل من أجل كردستان من الخارج وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصراعات التي قد يُحتمل حدوثها. واشتكى الكثيرون من هؤلاء المتطوعين من أنّ لا أحد أصغى إليهم أو أخذ بمشورتهم، وقرر قسم كبير منهم العودة.

إلا أنه اليوم، يدرك الجميع أن هناك حاجة إلى كل القوى الجيدة أن تمنع التحديات الحقيقية التي يواجهها الأكراد، وبخاصة الحرب التركية ضدهم في سوريا. وقد تكون كل من المعرفة والعلم المكتسب في الشتات مفيدًا جدًا في أجزاء كردستان المختلفة. ويمكن أن يسهما في بناء هياكل ديمقراطية أكثر عمقًا، وتحقيق حرية التعبير والمساواة ونظام قانوني مستقل بكل ما للكلمة من معنى. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت القيادة الكردية الحالية (والمستقبلية) ستدرك أهمية الشتات وتستفيد منه بالكامل.

الحسابات الكردية العراقية على كل جبهة

ومما يؤسف له أن الأحداث الأخيرة ليست مشجعة جدا في هذا الصدد، حيث تجاهلت “حكومة إقليم كردستان” النصائح الخارجية وسارعت بإجراء استفتاءً بشأن الاستقلال في 25 سبتمبر/أيلول 2017. لكن الفرحة لم تدم طويلًا. ففي 16 أكتوبر/تشرين الأول، استولى الجيش العراقي المدعوم من الميليشيا الشيعية العراقية وقوات مستشارين عسكريين إيرانيين على مدينة كركوك الغنية بالنفط. وقد أصيب الاكراد بالصدمة حين خسرت “حكومة إقليم كردستان” كل المناطق المتنازَع عليها التي استعادوها من “داعش” على مدى السنوات القليلة الماضية. لقد عشت هذا النوع من الحزن مرتين في حياتي: في عام 1975 وفي عام 1991 عندما غُدر أكراد العراق من قبل إدارتين أمريكيتين مختلفتين.

فبعد الصدمة والحزن، طُرحت أسئلة كثيرة. كيف يمكن للرئيس مسعود بارزاني في إقليم كردستان أن يسيء الحكم على صعيد رأي المجتمعين الدولي والمحلي ودعمهما عندما قرر إجراء الاستفتاء؟ كيف كان بإمكانه، وبدون دعم من أي قوى عظمى مثل الولايات المتحدة، أن يتحدى الدول المجاورة مثل العراق وإيران وتركيا وسوريا؟

وقد كتب وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون رسالةً وديةً للغاية إلى الرئيس الكردي بارزاني عن الدولة الكردية المستقلة. وطالب تيلرسون “حكومة إقليم كردستان” بتأجيل الاستفتاء لمدة عام واحد فقط بسبب الحرب ضد “داعش”. ومن المحتمل أن برزاني إمّا لم يقرأ أو أنه لم يفسر هذه الرسالة بالطريقة الصحيحة. وإذا كانت الولايات المتحدة غير مستعدة لدعم استفتاء الأكراد، كان ينبغي أن يأخذ بارزاني ذلك في عين الاعتبار.

وكان تقييم حكومة إقليم كردستان لتركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان غير صحيح أيضًا. ولأسباب اقتصادية، ولتجنب الصراعات مع قوى دولية عدة، تظاهر أردوغان بأنه صديق للرئيس بارزاني ولـ “حكومة إقليم كردستان”. فبعد محاولة الانقلاب العسكري في يوليو 2016، ألغى أردوغان معظم الحقوق الممنوحة للأكراد أو استرجعها في بداية رئاسته في عام 2002. إنّ العلاقة الأمريكية مع أردوغان – التي يعروها الجمود – لا تعني بالضرورة أن الولايات المتحدة ستخاطر بعلاقاتها مع تركيا، حليفة للناتو، ولا ترغب الولايات المتحدة في أن تضطر إلى الاختيار بين تركيا والأكراد.

وحتى العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق لم يتم التفكير فيها مليًا من قبل الاكراد. فحقيقة أن بغداد هي دمية في أيدي آيات الله في طهران لا يعني أن الولايات المتحدة ستدعم الأكراد تلقائيًا في صراعهم مع بغداد. فشئنا أم أبينا، تملك الولايات المتحدة أجندةً خاصة بها وتريد أن يعاد انتخاب رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي في أبريل/نيسان 2018 لأن منافسه نوري المالكي يميل أكثر إلى تلبية رغبات إيران من العبادي. فكيف يمكن لسياسي شيعي عراقي الفوز في الانتخابات بعد أن كان قد قبل بدولة كردية مستقلة قبل أشهر قليلة؟

لم تكن أيضًا الاستعدادات المحلية جاهزة لإجراء الاستفتاء الكردي، وحتى في العاصمة السويدية ستوكهولم، حيث أعيش، كنت أسمع يوميًا أن الأعضاء الرئيسيين في “الاتحاد الوطني الكردستاني” وحزب “كوران” (التغيير) لم يقدموا دعمهم الكامل للاستقلال الكردي. ولم يكن سرًا أن “الاتحاد الوطني الكردستاني” قد عقد اجتماعات عدة مع ممثلين عراقيين وإيرانيين، وكانت النتيجة أن قوات البشمركة التابعة لـ “حزب الاتحاد الوطني الكردستاني” لم تطلق رصاصة ًواحدة في كركوك عندما وصلت الميليشيات الشيعية إلى هناك. وعندما رأيت قوات البشمركة الكردية تبكي خارج كركوك، فهمت أن حلم استقلال كردستان قد تم تأجيله.

ومن أهم تداعيات الاستفتاء الكردي أنه تم تقليص حجم إقليم كردستان بشكل كبير، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدخل الناشئ عن صادرات النفط. ويذكر أن ميزانية بغداد المخصصة للأكراد انخفضت إلى 12 في المئة، وتم منحها للمحافظات الكردية، وليس لحكومة كردستان الاتحادية. وما من إجماع يُذكر في إقليم كردستان. إذ تأتي مصالح الحزب قبل المصالح الوطنية. وبطبيعة الحال، في السياسة المفاجآت واردة. ولكنني أعتقد أن الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا لكي يصبح أكراد العراق شركاء أقوياء في التفاوض مع بغداد. أولًا، يجب أن ينتهي كل من الفساد والمحسوبية في “حكومة إقليم كردستان”. ثانيًا، يتعين على الحكومة بناء مؤسسات ديمقراطية وتطوير الديمقراطية بنظام متعدد الأحزاب والالتزام بالدستور.

التشابه مع موقف الأكراد في سوريا

وهناك مشاكل مماثلة، حيث كان للاعتماد المفرط وغير الجدير بالثقة على القوى الخارجية، اثاره السلبية على الأكراد في سوريا المجاورة اليوم. كما أن “حزب الاتحاد الديمقراطي”، وهو أكبر وأقوى حزب، والذي يسيطر على جزء كبير من سوريا، لم يسمح له بعد بالمشاركة في محادثات السلام السورية في جنيف. والأسواء من ذلك، أزعجت النجاحات الكردية في سوريا أردوغان الذي يهدد الأكراد في سوريا كل يوم تقريبًا، حتى أنه شنّ عمليات عسكرية ضد “وحدات حماية الشعب” (الفرع العسكري لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي”) في محافظة عفرين شمال سوريا. لكن ما يريده الأكراد في سوريا أكثر من أي شيء آخر هو اعتبارهم جهة سياسية فاعلة، وليس جنودًا في انتظار الأوامر فحسب. ومع ذلك، فإن المصير النهائي للأكراد في سوريا هو بين أيدي روسيا والولايات المتحدة، ولا يستطيع سواهما التوصل إلى اتفاق يسمح ببناء دولة فدرالية كردية في سوريا. وإذا أراد الأكراد في سوريا تأسيس دولة اتحادية أو أن يصبحوا دولةً مستقلة، يتعين عليهم بناء مؤسساتهم وإرساء الديمقراطية من خلال نظام متعدد الأحزاب. كما هو الحال في العراق.

التغيرات المنتظرة في إيران والمسألة الكردية

ومع ذلك، وعلى المدى الطويل، قد تقدم التغييرات في إيران بعض الأمل للأكراد هناك، وكذلك في العراق وسوريا المجاورين، حيث اندلعت احتجاجات ومظاهرات عدّة في كل مدينة وبلدة في إيران في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني من هذا العام. ولم يحتج المتظاهرون على أسعار المواد الغذائية أو المشاكل الاقتصادية أو حقوق الإنسان الأساسية فحسب. فقد أظهروا علنًا كراهيتهم تجاه إدارة آية الله. كما طالبوا بإصلاح سياسي في إيران يقوم على نظام علماني. وقد خفتت الاحتجاجات في الوقت الحاضر ولكن قد تنشب مرةً أخرى بسبب الاستياء العارم.

فإذا أخذت السياسة المنحى العلماني، قد تتغير موازين القوى في جميع أنحاء الشرق الأوسط وبين المنافسة الشيعية السنية. وفي حال حصل هذا التغيير، سيُسرّ القادة السياسيين في إقليم كردستان والمناطق الكردية في سوريا، فضلًا عن سكانها. وإذا ضعفت إيران ستضعف العراق وسوريا أيضًا. وستزداد احتمالات استعادة كركوك والمناطق المتنازع عليها في كردستان العراق بشكل كبير. وقد يعني ذلك أيضًا أن الأكراد في سوريا سيصبحون قادرين على أن يكونوا دولة اتحادية من دون سفك الدماء. ومع ذلك، فإن هذا الأمل البعيد، الذي يعتمد على احتمالات هشة وبعيدة عن التغيير الجوهري داخل إيران، بمثابة شهادة على المصير المزعج جداً للأكراد في كلا من سوريا والعراق اليوم.

التعليقات معطلة.