أيمن حسين
منذ فترة كان التساؤل المثار في الأوساط السياسية وفي مراكز الفكر الأميركية والغربية: هل يكمل ترامب فترته الرئاسية الحالية؟ ولكن الآن بات السؤال المثار: هل يحصل ترامب على فترة رئاسية ثانية؟ وذلك بعد أن نجح في تجاوز العديد من العراقيل التي وضعت في طريقه، وفرض رؤاه الخاصة بالسياسة الداخلية والخارجية على الجميع، بعد أن تخلص من معظم المخالفين له في الآراء السياسية وآخرهم وزير الدفاع ماتيس الذي صرح بأنه فضل الاستقالة المبكرة لإفساح المجال للرئيس ترامب كي يأتي بشخص أكثر توافقا مع آرائه. وعلى الرغم من صعوبة الإجابة على هذا السؤال، إلا أنه يعطينا مؤشرا لشكل المرحلة الحالية والقادمة، خصوصا فيما يتعلق بسياسات ترامب تجاه الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، والتي يتوقع أن تشهد استمرارا لحالة عدم الاستقرار التي هي عليها الآن، خصوصا في ظل إصرار إدارة ترامب على استكمال ما يعرف بصفقة القرن، دون أدنى مراعاة لحقوق وحريات الشعب الفلسطيني.
وفي الواقع أن الشرق الأوسط ليس وحده من سيعاني من تبعات بقاء ترامب في رئاسة الولايات المتحدة، ولكن كذلك الشعب الأميركي والمؤسسات الأميركية والتي يبدو أنها فشلت في مواجهة ترامب بمفرده، فما بالنا إذا نجح في تشكيل إدارة جديدة من شخصيات أكثر تشددا وتوافقا مع رؤاه المتطرفة، سواء فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية أو بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وعلى ما يبدو أن هناك حالة من القلق المتزايد بدأت تظهر في أوساط مراكز الفكر الأميركية ولدى الخبراء والكتاب ومنهم الكاتب الصحفي المشهور توماس فريدمان الذي عبر عن هذا القلق في مقال له بصحيفة النيويورك تايمز في الرابع والعشرين من ديسمبر، إذ طالب الحزب الجمهوري بإخماد النيران التي أطلقها ترامب والتي باتت تهدد الديمقراطية الأميركية، كذلك الأمر بالنسبة لجيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأميركي بواشنطن الذي صرح بأننا أمام رئيس مثير للجدل ومن الصعب توقع ما يصدر عنه، وقد سبق ونشر مسؤول بإدارة ترامب مقالا بالنيويورك تايمز أشار فيه إلى افتقاره للمسؤولية الأخلاقية وانعدام تشبثه بأي مبادئ واضحة توجه قراراته.
وتعكس هذه الآراء وغيرها الكثير مدى الخوف الذي بات ينتاب الخبراء الأميركيين، وتخوفهم من استمرار إدارة الرئيس ترامب في الحكم إلى أن تنتهي ولايته الحالية، نظرا لانعكاس ذلك السلبي على المؤسسات وعلى التجربة الديمقراطية الأميركية، وعلى المصالح الأميركية في الخارج، خصوصا في ظل القرارات غير المدروسة التي يتخذها ترامب ثم يعود تحت ضغط الرأي العام والخبراء في إدارته للتراجع عنها مرة أخرى.
إن ترامب وعلى عكس ما يعتقد البعض رئيس يتمتع بذكاء كبير مكنه من تجاوز العقبات التي وضعت في طريق رئاسته للبيت الأبيض، ونجح في تحجيم دور المؤسسات ووسائل الإعلام الأميركية المعادية لسياساته، بل ونجح في التخلص من أعضاء بارزين داخل إدارته لمخالفتهم له في آرائه السياسية، وبات أغلب من يعمل معه يتوافق بشكل كبير مع سياساته وآرائه، وهذا ما سيجعل من الصعب على المؤسسات بل وعلى وسائل الإعلام الأميركية، التي باتت ترى في سياساته الداخلية والخارجية خطرا جسيما على التجربة الأميركية، التخلص منه بسهولة.
فترامب ومنذ أول يوم له في البيت الأبيض وهو يلعب على وتر المواطن الأميركي البسيط، وهو يعتقد أن مخاطبة عواطف هؤلاء وتحسين الظروف المعيشية والحياتية لهم سيكفل له البقاء في البيت الأبيض، وعلى عكس ما يعتقد البعض، لقد نجح في تحقيق ذلك بشكل أو بآخر خلال الفترة الماضية، وهو لا يزال يلعب على هذا الوتر، لذلك لن يكون من السهل التخلص منه أو الانقلاب عليه، سواء كان ذلك من قبل الحزب الجمهوري الذي يعيش مأزقا حقيقيا بسبب سياسات ترامب، أو حتى من قبل المؤسسات الأميركية، الأمر الذي يجعل احتمالات زيادة حدة الصراع بين الطرفين خلال الفترة القادمة كبيرة وغير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة، وعلى وقع هذا الصراع ونتائجه غير المعروفة حتى الآن سيتحدد مستقبل الولايات المتحدة الأميركية ودورها في السياسة الدولية.