“موسكو عرضت على بغداد دفع مستحقات التبادل التجاري بالروبل أو باليوان الصيني”
تظاهرات أمام مبنى البنك المركزي وسط بغداد احتجاجاً على ارتفاع سعر صرف الدولار (أ ف ب)
تظاهر عشرات المحتجين الأربعاء الماضي بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي بالقرب من مبنى البنك المركزي وسط العاصمة بغداد. وعلى رغم الإجراءات الأخيرة التي اتخذها البنك للحد من أزمة الدولار، فإن سعر صرف الدولار واصل الارتفاع، مما تسبب في عدم استقرار في سوق العملة الأجنبية.
وكان البنك المركزي العراقي قد أعلن في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2020، رسمياً عن تعديل سعر صرف الدولار الأميركي ليكون 145 ألف دينار مقابل كل 100 دولار، وفقاً للموازنة العامة للدولة لعام 2021 التي أقرها مجلس النواب.
وسجلت أسعار بيع الدولار في نهاية الأسبوع الحالي 161 ألف دينار لكل 100 دولار، فيما سجلت أسعار شراء الدولار 160 ألفاً و500 دينار لكل 100 دولار.
تظاهرات شعبية
وقال أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي إن “التظاهرات أمام البنك المركزي العراقي ليست سياسية، وليست لها أية أجندة، بل هي تظاهرات شعبية من فئات المجتمع العراقي المتضررة جراء ارتفاع سعر صرف الدولار، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها”.
ومن الطبيعي جداً أن نشاهد تظاهرات كهذه مع استمرار انخفاض قيمة الدينار أمام الدولار، مما ترك المواطن أمام أعباء إضافية، وأحدث إرباكاً في السوق المحلية وحالة من الركود الحاد.
وتابع، “على رغم تغير محافظ البنك المركزي قبل أيام، فإن الإجراءات بطيئة جداً للأسف حتى الآن، والسبب هو الإجراءات الجديدة. ويتعين الآن على المصارف العراقية تقديم تحويلات بالدولار على منصة جديدة على الإنترنت مع البنك المركزي العراقي، والتي تتم مراجعتها بعد ذلك من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي. وهذا عكس تماماً المنصة القديمة، إذ لم يكن مطلوباً وقتها من أصحاب الحسابات العراقية الكشف عمن كانوا يرسلون الأموال إليه إلا بعد تحويل الدولارات بالفعل”.
وشدد على أن “النظام الجديد قوي جداً وممتاز للعراق، لكنه يتطور بمرور الوقت استجابة للمعلومات الجديدة، لذلك أعتقد أن موجة التذبذب في استقرار سوق العملات الأجنبية ستستمر، لحين استكمال تطبيق الإجراءات الحكومية على حركة الدولار الأميركي، والعمل بشكل صحيح مع المنصة الجديدة ومنع تهريب الدولار إلى خارج البلاد، وتشديد الرقابة على عمليات الاستيراد من الخارج”.
ودعا السعدي الحكومة إلى أن تسارع بفرض سلطتها بشكل حازم ومحاسبة جميع المقصرين. وفي حال فشلت الحكومة في الإجراءات التي اتخذتها، والتي تعمل عليها من أجل السيطرة على سعر صرف الدولار والعمل لإعادته لوضعه الطبيعي، فمن الممكن أن نشهد تظاهرات أكثر قوة وشدة في الأيام المقبلة.
المصارف تمتنع
في المقابل، كشف عضو المالية النيابية جمال كوجر عن وجود مبالغ مالية كبيرة من الدولار متوفرة داخل البنك المركزي، مؤكداً أن المصارف تمتنع عن شراء الدولار من البنك.
وقال في تصريح صحافي إن “محافظ البنك المركزي السابق مصطفى غالب مخيف أبلغ اللجنة المالية النيابية عن توفر مبالغ مالية كبيرة من الدولار داخل البنك المركزي”.
وأضاف أن “المصارف في مزاد العملة لا تأتي لأخذ الأموال من البنك، وهذا ما سبب ارتفاع الأسعار، بالتالي نحتاج إلى تزويد التاجر بـ500 ألف دولار عند تزويد البنك بالفواتير”.
والإثنين الماضي، أعفى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف من منصبه بناءً على طلبه، وكلف علي محسن العلاق بدلاً منه بالوكالة، وأحال مدير المصرف العراقي للتجارة سالم جواد الجلبي إلى التقاعد، وكلف بلال الحمداني إدارة المصرف في تغييرات رأى السوداني أنها “ستعمل على تقليل ارتفاع أسعار الصرف”.
وقال عضو اللجنة المالية في مجلس النواب سجاد سالم في تصريح صحافي إن “قرار إعفاء محافظ البنك المركزي العراقي مصطفى غالب مخيف ليس حلاً لأزمة ارتفاع الدولار في السوق المحلية، والدليل أن سعر الصرف ما زال يشهد ارتفاعاً، وهذا الإعفاء لن يحل أي شيء من الأزمة”.
غسل أموال
وتابع أن “المشكلة ليست في شخص محافظ البنك، سواء كان السابق أو الحالي، إنما المشكلة في وجود قضية تهريب العملة، وكذلك عمليات غسل الأموال، ومن دون إيقاف تلك العمليات وتشديد الإجراءات الرقابية المالية، لن يكون هناك أي حلول لأزمة ارتفاع الدولار في السوق المحلية، بل ربما الارتفاع يواصل طريقه في حال عدم حل المشكلة الأساسية”.
وشهدت أسعار صرف الدولار تذبذباً كبيراً خلال الأسابيع الماضية على خلفية إجراءات اتخذها البنك الفيدرالي الأميركي على سوق بيع العملة الأجنبية في العراق.
روسيا تدخل على الخط
وقال القيادي في “الإطار التنسيقي” جبار عودة إن روسيا تتحرك للمساهمة في التخفيف من آثار الدولار الأميركي في الأسواق العراقية. وأضاف عودة أن “التبادل التجاري بين بغداد وموسكو يشمل منتجات كثيرة أبرزها الحبوب والتجهيزات العسكرية، وملفات أخرى، وهي تتباين من عام إلى آخر، لكنها تصل إلى مليارات الدولارات سنوياً”.
وأشار إلى أن “روسيا تعد مورداً مهماً للحبوب في العراق، إضافة إلى التجهيزات العسكرية”، مؤكداً أن “موسكو فاتحت بغداد بشكل رسمي بأنه يمكن الانتقال إلى دفع مستحقات التبادل التجاري عبر الروبل أو اليوان الصيني في خطوة قد تؤدي إلى التخفيف من آثار أزمة الدولار الأميركي في الأسواق العراقية”. وتابع أن “دفع العراق قيمة الصفقات الروسية بالروبل أو اليوان الصيني سيخفف بشكل كبير من آثار الدولار، ويعطي مرونة في تعدد العملات الصعبة المتوفرة لتفادي أي اهتزازات في السوق الاقتصادية، وأن دفع مستحقات روسيا بالروبل يعني إمكانية دخول الدينار العراقي ضمن قائمة العملات الأجنبية التي يمكن التعامل بها من قبل البنك المركزي الروسي مثل الجنيه المصري، وإمكانية نقل الأموال للطلبة العراقيين بشكل مباشر من قبل ذويهم، وحتى التجار من دون أية معاناة”.
أزمات اقتصادية
بدوره، كشف الباحث الاقتصادي بسام رعد أن “المواطن العراقي يعيش أزمات اقتصادية واجتماعية متلاحقة بسبب الشروط التي وضعها البنك الفيدرالي الأميركي، والتي تلزم بعرض قوائم الدولار المبيع ضمن منصة إلكترونية تتضمن أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة، لضمان مراقبة حركة الأموال والالتزام بلوائح الامتثال المصرفية”. واعتبر أن “ما نتج من تلك الشروط ارتفاع معدل سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي في السوق الموازية، ليصل إلى 1600 دينار لكل دولار، ولترتفع بذلك فجوة سعر الصرف المعيارية إلى نسبة 9 في المئة عن السعر الرسمي، مما أثر سلباً في السوق، وأسهم في ارتفاع أسعار السلع الأساسية الغذائية والصحية”.
وتابع رعد أن ذلك خلق أزمة جديدة للمواطن العراقي صاحبتها حالة ركود في الأسواق التجارية مرفقة بسخط شعبي تجلى بالتظاهر أمام بقر البنك المركزي للمطالبة بإيجاد حلول.
ويرى الباحث الاقتصادي أن “حل هذه المشكلة يتطلب وقتاً حتى تكييف المصارف والتجار الصغار مع قواعد الامتثال الدولية لعمليات تمويل التجارة الخارجية، وإلى حين الوصول إلى مرحلة التكييف تلك، ينبغي على السياسة النقدية أن تستعين بأدوات الرقابة المباشرة لضبط سعر الصرف في الأسواق الموازية”.