وجد فريق بحثي في “
مركز سارفر للقلب” في توكسون، التابع لكلية الطب بجامعة أريزونا، أن مجموعة من مرضى القلب الاصطناعي ظهر لديهم تجدد في عضلة القلب، مما قد يفتح الباب أمام طرق جديدة لعلاج فشل القلب بشكل كامل في المستقبل.
للتوضيح، منذ العام 2001، يطلق تعبير “القلب الاصطناعي” على آلة تتولّى مهمّة ضخّ الدم بدلاً من القسم المخصّص لذلك في القلب (يسمّى البطين). وهنالك بطين يضخّ الدم من القلب إلى الرئتين اللتين تنقّيانه، وآخر يضخّ الدم النقيّ إلى الجسم كله. ويبقى لعضلة القلب مهمة تلقّي الدم الآتي إليه من أنحاء الجسم (في الأذين الأيمن)، ثم يُسقِطه إلى البطين الأيمن الاصطناعي. وحينما يُنقّى الدم في الرئتين يعود إلى غرفته الطبيعية في القلب (الأذين الأيسر) الذي يسقطه إلى البطين الأيسر الاصطناعي. بالتالي، حينما يركب القلب الاصطناعي من هذا النوع، والمكون بمعظمه من أغشية مصنوعة من لدائن مرنة، ترتاح غرفتا البطينين في القلب، وهما أكبر كتلتين عضليّتين فيه، من مهمة ضخّ الدم التي يتولاها القلب الاصطناعي.
واستطراداً، شهد العام 2024 تبدلاً في تلك الصورة مع ظهور أول قلب اصطناعي معدني بالكامل. لكن ذلك له قصة أخرى.
عضلة القلب “ترتاح” فتتجدد؟
وفقًا لـ”مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها”، والمعروفة اختصاراً بـ”سي دي سي” CDC، يؤثر قصور القلب على نحو 7 ملايين بالغ في الولايات المتحدة، ويرتبط بنسبة 14% من الوفيات سنوياً. لا يوجد علاج نهائيّ لقصور عضلة القلب وإنهاكها وفشلها في مهمتها بتدوير الدم في الجسم، على الرغم من أن الأدوية قد تبطئ من تطوره.
لكن العلاج الوحيد لقصور القلب المتقدم يتمثّل بإجراء عملية زراعة القلب أو استبداله بأحد أنواع أجهزة القلب الاصطناعي، بما في ذلك تلك التي تتكفل بمساعدة غرفة ضخِّ الدم إلى أنحاء الجسم كله، وتسمى “جهاز مساعدة البطين الأيسر” left ventricular assist device. وقد نشر موقع “ساينس دايلي” Science Daily مقالاً تفصيلياً عن دراسة أظهرت أن بعض من يستخدمون تلك الأداة التي تؤدي عملياً إلى إعطاء البطين الأيسر “راحة” من عمله، ظهر لديهم تجدّد فعليّ في النسيج العضليّ لتلك الغرفة.
إمكانية تجدّد عضلات القلب
“تتمتع العضلات بقدرة كبيرة على التجدّد بعد الإصابة. فإذا كنت تلعب كرة القدم، ومزقت إحدى عضلاتك، فإنك تحتاج إلى إراحتها لتتعافى”، وفق شرح من الطبيب هشام صادق، مدير “مركز سارفر للقلب” في توكسون.
ويضيف صادق “حينما تُصاب عضلة القلب، لا تنمو مرة أخرى. ليس لدينا أيّ وسيلة لتعويض فقدان عضلة القلب”.
وقد قاد صادق تعاوناً بين خبراء دوليين للتحقّق من إمكانية تجدّد عضلات القلب.
بدأ المشروع باستخدام أنسجة من مرضى يستخدمون القلب الاصطناعي، في “جامعة يوتاه”، بقيادة الطبيب ستافروس دراكوس، وهو رائد في مجال استرداد وظائف القلب بوساطة “جهاز مساعدة البطين الأيسر”.
بموازاة ذلك، عملت فرق علمية في السويد وألمانيا على تحليل مدى التجدد الحاصل في تلك العينات من الأنسجة العضلية.
والنتيجة؟
وجد الباحثون أن المرضى الذين لديهم قلوب اصطناعية جددوا الخلايا العضلية بمعدل يزيد عن ستة أضعاف أكثر من معدّل القلوب السليمة.
وتعليقاً على هذه النتائج، يؤكّد صادق أن “هذا أقوى دليل لدينا، حتى الآن، على أن خلايا عضلة القلب البشرية يمكن أن تتجدّد بالفعل. إنه أمر مثير للغاية، لأنه يرسّخ فكرة أن هناك قدرة جوهريّة لقلب الإنسان على التجدّد”.
وفي مسار متّصل، يدعم هذا البحث بقوة الفرضية القائلة بأن عدم قدرة عضلة القلب على “الراحة” هو المحرّك الرئيسيّ لفقدان القلب قدرته على التجدّد بعد فترة قصيرة من الولادة.
دليل مباشر وأمل منتظر
يمثل إيجاد طرق أفضل لعلاج قصور القلب أولوية قصوى لصادق “ومركز سارفر للقلب”. وتعتمد هذه الدراسة على أبحاث صادق السابقة حول الراحة وتجديد عضلة القلب.
وقد أشارت الدراسات السابقة التي أجراها صادق إلى أن هذه الراحة قد تكون مفيدة لخلايا عضلة القلب، لكنه كان بحاجة إلى تصميم تجربة لتحديد ما إذا كان المرضى الذين لديهم قلوب اصطناعية يجددون عضلاتهم بالفعل. وقد أثبتت الدراسة ذلك.
في المستقبل، يسعى صادق لفهم سبب اقتصار حدوث ذلك التجدّد على ربع مَن يستعملون “جهاز مساعدة البطين الأيسر”، وليس كلّهم. وقد يفتح ذلك طريقاً لتحريك تلك الاستجابة إلى جميع من يستخدمون ذلك الجهاز.