سليم العنتري
شهدت العقود الماضية حروبًا دامية، ونزاعات مسلحة بين البلاد المتجاورة، التي تشابكت مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع وجود اختلافات ذات طابع ثقافي، إلا أن تلاقي المصالح لم يمنع حدوث ما هو أشبه بالخيال من إبادات بشرية بين الأنظمة والشعوب، كالصراع الصربي- البوسني في تسعينات القرن الماضي من دعم الدول العالمية للدولة الأقرب ثقافيًّا لها.
قامت روسيا بإمداد الصرب بالعتاد والسلاح، في حين عملت القوى الإسلامية كالسعودية وتركيا وإيران بدعم البوسنة، لتبين لنا الأحداث على المسرح السياسي أن العلاقات الدولية ستأخذ منحنى ثقافيًّ وليس ذا طابع سياسي أو اقتصادي، ولطالما استعملت الثقافة في عصرنا الحديث هذا للدلالة على الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات.
فالثقافة لا تعد مجموعة من الأفكار فحسب، ولكنها نظرية في السلوكِ مما يساعد على رسم طريق الحياة إجمالًا.
فرض أيديولوجيتها وحضارتها على دول العالم، مع تجاهل واضح لثقافات الشعوب وهويتها بطمس العادات والتقاليد، والتقليل من شأنها وعدها بدعًا ذات طابع رجعي ومتخلف، إلا أن المعجزة الاقتصادية الآسيوية كالتنين الأحمر (الصين) في خلق اقتصاد حيوي، وبناء حضارة وبلاد تقوم على مبادئ الأجداد في الكونفوشيوسية والبوذية مع الحفاظ على الهوية الآسيوية.
عدا عن قيام اليابان، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، وإندونيسيا بنجاحاتها الاقتصادية في شرق آسيا لها جذور واضحة مرتبطة مع الثقافة الآسيوية، التي سلطت هذه التجارب الضوء على أهمية تعدد الثقافات، وأن التغريب والانسلاخ عن الهوية ليس نعمة، بل قد يكون نقمة، وأن التجربة التي قام بها كمال أتاتورك من علمنة شمولية وصراع مع الحضارة الإسلامية لم يسمح له ببلوغ مما يطمح إليه خلال مئة عام، حتى تولى حزب العدالة والتنمية مقاليد السلطة في 2002، والذين ساهموا في استرجاع بوصلة صحيحة لتركيا الحديثة بالحفاظ على الحضارة والهوية الإسلامية بتحقيق إنجازات وأهداف خلال عقد، عجز عنها أتاتورك وأسلافه في قرن من الزمان!
وفي إحدى مقالات قناة BBC عن الاقتصاد الآسيوي واقتصادات دول الاتحاد الأوروبي ذكرت: توقع مسؤول ماليزي أن يتجاوز النمو في اتحاد دول جنوب شرق آسيا (آسيان) مثيله في الاتحاد الأوروبي بمجرد اندماج اقتصاداتها. وفي حديث أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في جاكارتا، قال مصطفى محمد، وزير الصناعة والتجارة الدولية الماليزي، إن اقتصاد آسيان سينمو خمسة في المئة خلال السنوات العشر المقبلة. وفي غضون هذا، سينمو الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي 2% فقط، بحسب محمد.
يقول هنري كسنجر إن النظام العالمي في القرن الواحد والعشرين سيضم على الأقل ست قوى رئيسية: الولايات المتحدة، وأوروبا، والصين، واليابان، وروسيا، وربما الهند، بالإضافة إلى ذلك سيضم عددًا كبيرًا من الدول متوسطة أو صغيرة الحجم . والقوى الست عند كيسنجر تنتمي «إلى خمس حضارات متباينة جدًّا، بالإضافة إلى ذلك هناك دول إسلامية مهمة تجعلها مواقعها الاستراتيجية وتعدادها الضخم ومواردها البترولية مؤثرة في الشئون العالمية. في هذا العالم الجديد تكون السياسة المحلية هي السياسة العرقية، والسياسة الكونية هي سياسة الحضارات، ومحل المنافسة بين القوى الكبرى يحل صدام الحضارات.