رحلة الحياة
طبيعة الحياة متغيرة ومتطورة ومتجددة لا تدوم على حال، ولكل مرحلة خصائصها وسماتها الخاصة بها، ولقد وضع الله عز وجل قوانين كونية ثابته لا تتغير ولا تتبدل إلا بأمره. وهكذا حياة جميع الكائنات الحية؛ لها صفة البداية والنهاية، تمثل الدائرة، ما أن تبدأ حتى تنضج وتزدهر ثم تصل إلى النهاية. إذن، هي قاعدة أساسية بين البداية والوسط والنهاية في كل شيء.
الإنسان يمر في هذه القاعدة بنواحٍ عدة، ابتداء من ذلك الطفل الصغير إلى الشيخ الكبير، يتخللها النضج الجسدي والمعرفي والثقافي والفكري. مراحل متعددة متداخلة مع بعضها، لكي يصل إلى حقيقة الأشياء من خلال التجربة والنضج الروحي والإنساني.
والمجتمعات الإنسانية تمر أيضاً، من خلال تلك القاعدة الأساسية، فكم حضارات قامت وازدهرت وانتهت لم يبق منها غير الأثر والمعنى.
مهم أن نتأمل ونتعلم من كل تلك الحقب التي مرت بها الإنسانية من مجتمعات ودراسات متطورة ومتقدمة وشخصيات وتجارب إنسانية كثيرة. الواعي من يستفيد من كل تلك الحقب، ويتأمل العمق فيها ومنها، وما مدى تأثير كل منها في حياتنا اليوم، وكأنها تطرح سؤالاً؛ ماذا نستفيد من كل «الشريط» الذي يمر أمامنا، سواء أكان تجارب أم شخصيات أم كتب التاريخ التي رصدت حركة المجتمعات في دورتها (البداية والنهاية)، لكي نصل إلى جوهر الموضوع «أن الحياة تخضع لقوانين كونية أوجدها الله عز وجل للمحافظة على هذا الكون الشاسع والمحافظة أيضاً على حقوق البشر»، فلم تكن الحياة يوماً ما عبثية؛ فالكل يفعل ما يريد، وإلا انقلبت الموازين وعم الظلم والظلام، لكن كل شيء بقدر وعدل الله ورحمته على الجميع.
هذا يجعلنا نخوض في احد القوانين الكونية «السبب والنتيجة»، لكل فعل رد فعل، لكل عمل انتاجية ومحصول، حتى الأشياء التي لا نتصورها أو لا نشاهدها «كالأفكار» لها نتيجة تظهر في واقعنا وحياتنا من طريق التصرفات، فكل ما نفكر فيه له نتيجة وسلوك شئنا أم أبينا، وكل شيء نقوم بفعله يكون له نتيجة معينة، حتى أهمها واعمقها «النيات». نعم، كل ما نضمره من خير سنجده، وكل ما نضمره من شر أيضاً سنجده.
قانون «السبب والنتيجة» تخضع لها كل المجتمعات والكائنات، إن صلح الأساس والقاعدة الخيرة كانت النتائج مرضية وعميقة ومتطورة إلى الأفضل والأعمق والأجمل، والعكس صحيح، وإن كان الأساس هشاً وضعيفاً فحتما ستنهار بشكل مؤلم أيضاً.
مهم أن يعي إنسان اليوم بكل ما مر بتلك العصور وتلك المجتمعات وتلك الشخصيات والتجارب، وأن يتعلم كيف يدرس خطواته باتزان وبالخير والنوايا الصادقة، ليعمر نفسه وأرضه، ويختصر الوقت ويختصر الخوض في السلبيات قدر الإمكان، فعلى رغم الاهتمام والحرص لا بد أن يقع الكل في الأخطاء، لكن المهم ألا تكون فادحة، لكي لا تكون مؤلمة، فطبيعة الإنسان أنه يتعلم من الصواب والخطأ، ولا يكرر الأخطاء والضعف نفسه، ونقيس ذلك على أنفسنا وتجاربنا الشخصية، إلى أعمالنا وعلاقاتنا الإنسانية مع غيرنا، سواء الاهل أم الاصدقاء أم الزملاء.
العالم أمامنا فيلم سينمائي يدور ونشاهده، لكي نتعلم منه، والتعلم ليس فقط من طريق أفراد مثلنا، بل أيضاً من طريق مشاهدة كل المجتمعات؛ كيف عاشت.. كيف تطورت.. كيف انهارت أو تقدمت؟ فالإنسان يشبهها إلى حد كبير، بل هو جزء من منظومتها. لذا، هما يمران بالقاعدة نفسها «البداية والوسط والنهاية».