أين نقف من «التغيير»؟
تشهد المملكة تغيّرات جذريّة وملموسة لبناء أسس وقواعد إنسانية وحقوقية واقتصادية واجتماعية، تمهّد لحياة منظمة ومنجزة ومبدعة في التفرد والتميز لتكون لها بصمة قوية بين الأمم. وجهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان واضحة وعميقة في ذلك، وتجعلنا نفتخر بهذا القائد الجريء الشجاع الذي جعل الغرب والشرق يلتفت له وبقوة.
المسؤولية الآن يتحملها الجميع لبناء هذا التطور والتغير في جميع الجوانب، ابتداء من مفهوم الذات والمسؤولية في كل واحد منّا، وأن لكل فرد دور في مجال أسرته وعمله ومجتمعة، وعندما يدرك الأفراد هذه المسؤولية لن يسقط الفشل أو العوائق على الظروف، بل سيسعى لأن يكون له دور ورسالة وحضور. وهنا يأتي دور الكل، من الأفراد والجامعات والمؤسسات، لأن تكون حاضرة في ترسيخ حس المسؤولية التي تبدأ بعمق الفكرة في تحريك العقل والاعتماد على الذات، من خلال مناهج تطبيقية تدرس قيمة الفرد وتعلمه لغة الحوار وتستخرج منه قوة الإبداع والابتكار من الصفوف الأولى، وتعلمه احترام ثقافة الآخر والاطلاع على الثقافات الاخرى المختلفة عنه، لكي ننمي هذا العقل في توسع الرؤية بأن العالم ليس نحن فقط، بل هو عالم واسع متعدد الثقافات والأديان والأجناس والأعراق، وكيف يحترم ويتقبل ذلك، من هنا نبذر بذور المحبة والمساواة والخروج من تلك الدائرة الضيقة (نحن فقط).
والمسؤولية أيضا تقع على المرشدين والمدربين والمعلمين والمؤثرين في الجموع، لأن يكون على قدر المسؤولية التي توحّد مبدأ التعاون والتكامل والترابط على رغم الاختلاف، وأيضاً السماع لأي صوت ينادي للمساعدة في مواضيع العنف أو التظلم أو التجني عليه أن يسمع ويتحقق سريعاً، لا أن يؤجل حقوق الأخرين التي ربما تؤدي إلى مشكلة أكبر وأخطر، إذ لا يستطيع الكل أن يوصل صوته عاليا، لذا لابد أن يكون القانون حاضر وبقوة لردع أي تعد على الفرد، ومن ضمنها قضايا العنف التي تتكرر بين فينة وأخرى في وسائل الإعلام، لا نعرف بصراحة مدى مستوى الحقيقة فيها فهي مسؤولية الجهات المعنية، لكن علينا أن ندرك أهمية اتخاذ القرارات السريعة لتنفيذ الإجراءات في وقتها لحفظ الحقوق.
والمسؤولية تتمثل كذلك في إنجاز أعمالنا على أحسن وأتم وجه، وأن ندرك التطور والإبداع لا يأتي إلا من خلال الجهد والحرص وتنظيم الوقت وترتيب الأولويات، وأن نتيقن أن العمل ليس فقط لأخذ الراتب، بل لأن يكون لنا بصمة قوية ترفع من المستوى الاجتماعي والاقتصادي للوطن، وبعدها سيكون المردود أضعاف ما نسعى له.
المسؤولية تقع على كل فرد منا لكي يقوم بواجباته لاسيما مع أفراد أسرته، وذلك بألا يجعلها تحتاج الغريب سواء أكان احتياجاً ماديا أم عاطفياً، وهذا للأسف ما نلاحظه، إذ أن هناك فجوة كبيرة بين أفراد الأسرة الواحدة، بحيث انشغلت بالكماليات والماديات وتركت الأسس المبنية على العلاقات الحميمية والقريبة والمساندة والتعاطف والحب. أبناؤنا يحتاجون منا الدعم والمساندة كأصدقاء وليس لغة الجلد والأمر والنهي، فعندما نكون قريبين منهم نفتح مواضيع للحوار والنقاش، فنحن هنا نعلمه قيمة ذواتهم وكيف يكونون حاضرين واثقين من أنفسهم من خلال احترامنا لهم، وألا نكوّن رد فعل عصبي حينما يخطئون، فنحن ندرك أن هذا «العُمر» يتعلم من «الصح» و«الخطأ»، وندرك التغيرات النفسية والجسدية والمعنوية عليهم أي في حال متقلب وليس ثابت، هنا يأتي دورنا ومسؤولياتنا في حمايتهم ورعايتهم.
المسؤولية في الكلمات التي نكتبها ونقولها لقريب ولصديق ولزميل أن نراعي حسنها وتهذيبها قبل أن نتفوه بها، وهذا ما يجعلنا بعيدين عن التصادم والانجراف في التلفظ السيء والاتهام، كما يحصل للأسف في وسائل التواصل الاجتماعي.
من هنا ينهض المجتمع في تحمل مسؤولية نفسه، فهي ثقافة فكر أولاً ثم ثقافة سلوك، ثم ثقافة تطبيق وتصرفات.