هي الأخلاق تنبتُ كالنبات

1

علي العوادي

ما ان يضيءُ النور محيا الطفل حتى تضطرب رموش عينيه خوفا من سنا ذلك النور الساطع فيملا المكان صراخا وبكاءً وكأنه متيقنٌ بانه فارق عالمه الهاديء الذي لا يجوع فيه ولا يشقى واستفاق على عالم آخر مختلف تمام الإختلاف عن ذلك الوطن في غياهب الظلمات ، وقد يضطر إلى الصمت والهدوء بعد أن تعلو أصوات الفرح والسرور على صوته ، وتمر الأيام والشهور فيغدو ذلك الرضيع البريء كزهرة ربيع زينتها قطرات ندى الصباح فيملء قلوب ذويه بهجة وسعادة ، ولأن الأيام تتدافع وكأنها في سباق ، سرعان مايكبُر ذلك الوليد ويكبر معه كل شيء ، أحلامه ، أفكاره ، نظرته للحياة ونظرته لمن حوله ويبدأ يتفحص -وبامعان – كل شيء تعلمه من مفردات الحياة عن طريق المدرسة الأولى أبواه ، إخوته ، اخواته ومن هم في محيطه الأسري ومحيطه الإجتماعي في الحي الذي يقطنه والمدرسة التي بدأ ينهل العلوم منها ، فتتراكم المسميات لديه ، بل تتزاحم وتتصادم أحيانا ، و هنا يدخل مرحلة الصراع الفكري ، سيما وأن صفحات الحياة فُتحت جميعها أمامه ، الفكرية ، العقائدية ، الاجتماعية والثقافية ، وعليه أن ينتقي ما يناسب شخصيته واسمه واسم عائلته وسمعته من تلك الاختيارات الصعبة ، فإن كانت معطيات المدرسة الأولى (العائلة) صحيحة نابعة من حب وحرص وأمل مشروع في أن يكون ذلك الشاب امتدادا حسنا لاسم ونسب كريم فسيكون خير خلف لخير سلف ، وعنصرا مؤثرا له وزنه الإيجابي في المجتمع ، وسيأمن الآخرون جانبه ، لأنه سيصبح رمزا للسمو الأخلاقي و(من أدّبَ وَلَدهُ صغيراً سُرَّ به كبيراً) ، وان كانت معطيات تلك المدرسة متذبذبة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، او تغلب عليها السلبية فسيختلط لديه الحابل بالنابل ، وبما أن شبيه الشيء منجذب إليه فمن المحتمل أن تكون وجهته – من حيث يدري ولا يدري – إلى حيثيات التسافل فَتُبنى شخصيتُه واخلاقياتُه عليها ، فتتساوى لديه المعايير الفكرية والأخلاقية، ايجابياتها وسلبياتها ! فتراه متقلبا لا يثبت على شيء ، فإن كان صديقا صدوقا لك اليوم لا مشكلة لديه في أن يغدر بك أو يصبح عدوا لدودا لك غدا ! والسبب هو هشاشة البناء القيمي الذي تربى عليه ، فهو ليس بوجه واحد أو حتى وجهين إثنين بل في وجوه عديدة يجعل المقابل في حيرة من أمره في كيفية التعامل معه ، فتارةً يلتحف بجلباب الدين والتقوى فتراه وكأنه ناسكٌ متعبدُ ، وتارةً مشاغبٌ معربدُ في ثوب فسوقٍ وفجور ، يسهبُ في مديحك امام الآخرين إلى حد التملق ان كان لديه حاجة وسرعان ما يذمك إلى حد التشهير والانتقاص ان لم تأت الرياح بما لا تشتهي نفسُه الضعيفة ، وأقل ما يمكن وصفه بأنه متملق منافق لئيم ، وان أمثال هؤلاء تخلو قواميس حياتهم من الحياء ، و… قلَّما يُشفى عليلٌ حين لا يُسقى دواء …إن من ينأى الحياءُ عنه يفعل ما يشاء.

التعليقات معطلة.