باسل درويش
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعدته مراسلتها ليز سلاي، تقول فيه إن المرأة السعودية ستبدأ في يوم الأحد بقيادة سيارتها، بعد القرارات التي أعلنت عنها السعودية، التي يقف خلفها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وتجد سلاي أن المرأة هي المستفيدة من هذه القرارات، خاصة أنها ظلت بعيدة بسبب القيود عن السياق الاجتماعي، ومغيبة عن بقية نساء العالم، مشيرة إلى أنه أصبح من السهل اليوم في السعودية الحديث عن تغيرات أو حريات اجتماعية، أما السياسية فلا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن اعتقال 17 ناشطا وناشطة الشهر الماضي كان بمثابة رسالة واضحة لمن تسول له نفسه/ نفسها المطالبة بحقوق أخرى، وبأن الحكومة هي المخولة بالهبة والتكرم على مواطنيها، ولا تستجيب للضغوط منهم، لافتا إلى أنه تم الإفراج عن ثمانية من المعتقلات، فيما بقي تسعة خلف القضبان.
وتنقل الصحيفة عن الناشطة السعودية هالة الدوسري، التي دعمت حملة رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، والزميلة في معهد رادكليف في جامعة هارفارد، قولها إن الاعتقالات لا علاقة لها بمطالب محددة طالبت بها النسوة إن كن طالبن بشيء، مشيرة إلى أن مدونين وعلماء دين اعتقلتهم الحكومة، لكن لم يتم التسليط إعلاميا على اعتقالهم.
وتقول الكاتبة إن السعودية تسير نحو شكل من أشكال الديكتاتورية القاسية، في وقت تبشر فيه الحكومة بالإصلاحات الاجتماعية، التي بدأت تخرج المرأة من عهود التمييز والفصل الإجباري.
ويورد التقرير نقلا عن الدوسري، قولها إن مطالب في المستقبل لإنهاء قانون الولاية المكروه، الذي يطلب من المرأة الحصول على إذن الرجل للسفر أو حتى الخروج للمقهى، سيتم ردعها، وأضافت: “الحريات التي سيسمح بها هي تلك التي تحددها الدولة”، مشيرة إلى أن “محمد بن سلمان يريد أن يكون المحكم، ويريد تحديد الإصلاحات ومتى ستحدث”.
وتلفت الصحيفة إلى أنه لا يوجد ما يشير إلى التراجع عن الإصلاحات التي سمحت بها الحكومة حتى الآن، خاصة أن الصحافة السعودية تحفل يوميا بالتقارير عن “الأوائل”، أول امرأة تنجز هذا أو ذاك، أول امرأة تحصل على رخصة القيادة، أول دليلة سياحية، أول دليلة لتسلق الجبال، أول فريق تفتيش نسائي للسوق، وأول مغنية سعودية تغني البلوز.
وتبين سلاي أن “التغييرات تظل بالنسبة للكثير من النساء عادية، ففي مدينة جدة الساحلية، التي تعد أكثر ليبرالية من بقية المدن السعودية، خلعت بعض النسوة الحجاب، وألغت المطاعم نظام الفصل بين الرجال والنساء، إلا أن الرياض مختلفة، فهي المدينة المحافظة التي تنتصر فيها التقاليد البدوية على الدولة، والامتحان الحقيقي للإصلاحات قادم فيها، وهنا في العاصمة لا يزال نظام الفصل في الأماكن العامة قائما، والمرأة ملتزمة بالنقاب والعباءة”.
وينوه التقرير إلى أنه في سلسلة من المقابلات التي أجرتها الصحافية مع عدد من النسوة، ينتمين لقطاعات متعددة في المجتمع، فإنهن قلن إن التغييرات تركت أثرا على حياتهن بطريقة لم تكن ممكنة في الماضي، فهن الآن يدخلن سوق العمل، ويبدأن تجارتهن الخاصة، وفي تطور غير ملحوظ يحصلن على الطلاق والنفقة لأولادهن.
وتنقل الصحيفة عن ولاء جار الله (32 عاما)، التي عادت من رحلة دراسية لعامين في نيويورك، قولها: “إنه مثل السماح لنا بالتنفس من جديد”.
وتستدرك الكاتبة بأن المقابلات مع النسوة طرحت أسئلة من الباكر الجواب عليها، من مثل: هل ستتواصل التغييرات؟ وهل ستذهب بعيدا نحو تغييرات حقيقية؟ وغير ذلك، لافتة إلى أن النسوة الآن في حالة بحث عن فرص.
ويشير التقرير إلى عدد من المقاهي التي بدأت تظهر في الرياض، وتقدم خدماتها للنساء فقط، حيث تستطيع المرأة فيها التحرر من عباءتها، والحديث مع صديقاتها، أو العمل على الحاسوب الشخصي، منوها إلى أن أعمالا كهذه مملوكة من المرأة بحاجة أحيانا لتوازن بين عمل المرأة فيها، والإمدادات التي يحضرها الرجال، ومحاولة تجنب الاحتكاك بين الجنسين.
وتقول الصحيفة إن الضغوط على المرأة لارتداء الزي المحافظ نابعة اليوم من التقاليد الاجتماعية، لا القيود الحكومية، فنجوى تقول إن المجتمع معقد و”سأكون محلا للانتباه لو لم أرتد عباءة”، فيما تقول صديقتها حصة، وهي مصورة حفلات الزفاف، إنها لن تبادر بخلع العباءة، ولو شاهدت إحداهن تلبس زيا مختلفا فستقلده.
وتعلق سلاي قائلة إن الزي يظل أمرا ليس مهما بقدر ما يهم المرأة اليوم الوظائف، فالعباءة “مريحة وجزء من التقاليد السعودية.. يمكن أن ترتدي تحتها بيجامة”، كما تقول العاملة الاجتماعية سارة، مشيرة إلى أن النقاش هو عن طموحات المرأة والتغيير المطلوب، فبالنسبة لنجوى فهي تريد أن تكون المرأة السعودية مثل المرأة في أمريكا، لكن ليس كالمرأة الأمريكية التي تظهر في المسلسلات التلفزيونية، كما تعلق صديقة لها.
ويفيد التقرير بأن الخوف من التحرش يظل مظهر قلق يسود مظاهر حياة المرأة، وأحد الأسباب التي تمنعها من المشاركة في التغيير، مشيرا إلى أنه حتى النساء المحافظات، اللاتي رحبن بقرار رفع الحظر عن قيادة السيارات، قلن إنهن لن يكن من بين أول من يقدن السيارات؛ خشية من تعرضهن للتحرش، حيث قالت حصة: “سيتبعونك ويطلبون رقم هاتفك، وسيغضبون لو رفضت، أو ربما سخروا منك”.
وتذكر الصحيفة أنه مع أن هناك قانونا أقر يجرم المتحرش بالسجن خمسة أعوام، إلا أن النساء المحميات من عائلاتهن بحاجة، كما تقول ناشطة في الرياض، للتكيف مع الحرية الجديدة، وقالت: “عشنا 40 -50 عاما عملية غسيل دماغ، من خلال قنوات التلفزة والمساجد، ولو قادت المرأة السيارة فسيلاحقها الوحوش الأشرار، فنحن نخاف أي رجل في العالم”، وتعترف بأن الرجال ليسوا كذلك، بل هناك أقلية شريرة منهم، وبأن هناك حاجة لنزع الأسطورة عن العلاقات بين الجنسين.
وتلفت الكاتبة إلى أنه حتى في المحلات التي حاولت تغيير سياسة الفصل، مثل “مول المملكة”، الذي كان يخصص طابقا للنساء، فإن السماح للرجال والنساء فيه أدى إلى تراجع التجارة فيه، خاصة أن المكان في المول كان فيه مساحة للمرأة لتخلع حجابها وكذلك العاملات، مشيرة إلى أنه بعد تغيير السياسة فإن النساء والعاملات اضطررن لتغطية وجوههن وشعورهن.
ويورد التقرير نقلا عن العاملة في محل للعباءات إيمان، قولها: “أرادوا زيادة المبيعات وحدث العكس، ولم يحضر أحد للمقهى”، وترحب بالتغييرات الجارية، لكنها تقول إنها سريعة، فالعائلات تجد صعوبة في التعامل مع الحرية المفاجئة، وهي التي تعودت على تحكم الحكومة بحياتها، وعلاوة على ذلك فإنها ستجد صعوبة في التعامل مع قوانين المجتمع المتعددة، الحكومة والقبيلة والدين.
وتذهب الصحيفة إلى أن النقاش حول القوانين التي تحكم كل واحد من هذه المعالم هو في مركز ما يجري في السعودية، وإلى أي مدى ستذهب فيه الحكومة في عمليات اللبرلة، مشيرة إلى أن النقاش حول المرأة، التي ظلت تعامل على أنها مواطنة من الدرجة الثانية، هو في مركز هوية الدولة السعودية، حيث حصل أكبر تغير على حياتها قبل عامين، عندما قلمت الدولة من أظافر “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر/ الهيئة”، التي كانت تفرض القيود الدينية والقبلية، ولا تزال الهيئة تدعو النساء للالتزام بالحجاب، إلا أنها فقدت سلطتها للحبس.
وتقول سلاي إن “قانون الولاية يرتبط بموقف عائلة المرأة وأقاربها، الذي يفرضونه عليها، ولو جاءت مثلا من عائلة ليبرالية أو ثرية ومتعلمة، وسافرت في العالم، فيمكن لها أن تعيش مثل بقية النساء في العالم العربي، ويمكنها عمل مواعيد مع الرجال الآن، وهو ليس مهما للكثير من النساء العاملات”.
وينوه التقرير إلى أنه بالنسبة للنساء من العائلات المحافظة، فإن القيود واضحة، فوجدان (23 عاما) تقول إن والدها لا يسمح لها بالذهاب للمقهى، حيث لا يزال الرجل هو المحكم الأول في حياة المرأة، إلا أن المستفيد من التغييرات هي النخبة التي لا تمانع من عمل بناتها دليلات في تسلق الجبال أو مغنيات بلوز.
وتكشف الصحيفة عن أنه بعيدا عن الملاحظة، فإنه قد تدفقت على المحاكم حالات النساء المطالبات بالطلاق والحصول على النفقة لأبنائهن منذ القانون في آذار/ مارس، الذي منح المرأة حق الحضانة، بالإضافة إلى قوانين جديدة أعطت المرأة حق طلب الطلاق، ومنح قانون في عام 2016 المرأة المطلقة الحق بالحصول على الهوية، بشكل جعلهن القانون مسؤولات عن العائلة، وحررهن من قيود قانون الولاية، مشيرة إلى أن المستفيد الأكبر من هذا هن النساء السعوديات الفقيرات، اللاتي لا تستطيع عائلاتهن مساعدتهن عند انهيار الزواج.
ولاحظت سلاي في زيارة للمحكمة الشهر الماضي أن عدد النساء المنتظرات أكثر من الرجال، وذكرت النسوة أن السبب الرئيسي للطلاق هو العنف المنزلي، ورغم أن القضاة كلهم من الرجال، إلا أن النساء سعيدات بسهولة الإجراءات.
وتختم “واشنطن بوست” تقريرها بالإشارة إلى قول سارة (41 عاما): “كل شيء سهل للمرأة الآن، ويبدو أن القضاة مع المرأة هذه الأيام”.