أطراف سياسية تمنح «حصانة» لمنفذي الهجمات
بغداد/ تميم الحسن
تمنع أطرافٌ سياسية الكشف عن هوية منفذي « هجمات المسيّرات» الأخيرة التي استهدفت منشآت عسكرية ونفطية، في وقت تضغط فيه واشنطن لمنع تكرار تلك الحوادث.
وكانت (المدى) قد علمت في وقت سابق بتحديد أسماء مشتبهٍ بهم ضمن «قيادات فصائل» يُعتقد بتورطهم في تلك الهجمات، دون أن تُتخذ ضدهم حتى الآن أية إجراءات قضائية.
وأشارت مصادر سياسية مقربة من « الإطار التنسيقي» إلى أن « ضغوطًا تمارسها أطراف داخلية ودول مجاورة تحول دون الكشف عن أسماء المتورطين في تخريب الرادارات واستهداف حقول النفط في كردستان».
وأضافت المصادر، التي تحدثت لـ (المدى) شرط عدم ذكر أسمائها لعدم تخويلها بالتصريح، أن « الأسماء المدرجة على قائمة المشتبه بهم في تلك الهجمات يُمنع تداولها سياسيًا وإعلاميًا، ما يضع الحكومة في موقف حرج للغاية» .
وكانت الحكومة قد تلقت، في الأسبوع الماضي، معلومات «غير دقيقة» تشير إلى تورط إسرائيل، قبل أن يتبين لاحقًا أن الجهة المسؤولة عن تلك الهجمات تنتمي إلى إحدى الفصائل.
ونُفذت موجة الهجمات بواسطة مسيّرات مجهولة بلغ عددها نحو 30 طائرة، في أواخر حزيران ومطلع تموز الماضيين، استهدفت مواقع عسكرية في وسط وجنوب البلاد، ودمّرت رادارات عسكرية حديثة حصل عليها العراق «بشق الأنفس» بحسب خبراء عسكريين.
كما تسببت الهجمات في كردستان – والتي نُفذت باستخدام نحو 18 طائرة مسيّرة – بوقف إنتاج النفط في الإقليم، وإجلاء عدد من الشركات الأجنبية من مواقعها.
الهجمات تزامنت مع اتفاقيات نفطية
أعرب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يوم امس عن استغرابه من تزامن الهجمات مع توقيع اتفاقيات نفطية بين بغداد وشركات عالمية.
وتصاعدت وتيرة هجمات» المسيّرات المجهولة» ليلة إعلان وقف إطلاق النار في الحرب بين إيران وإسرائيل، المعروفة بحرب «الاثني عشر يومًا» . الشهر الماضي.
وقال السوداني خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الأميركي، مارك روبيو، إن «الاعتداءات الأخيرة التي استهدفت منشآت حيوية ونفطية في إقليم كردستان ومحافظتي صلاح الدين وكركوك تمسّ الاقتصاد الوطني العراقي»، مؤكدًا أن « الأجهزة الأمنية تتابع مصادر تلك الهجمات بالتنسيق مع التحالف الدولي لمحاربة داعش» .
كما أعرب، بحسب بيان صادر عن مكتبه، عن استغرابه « لتزامن هذه الهجمات مع اتفاق المبادئ الذي أبرمته وزارة النفط مع شركات أميركية لاستثمار عدد من الحقول في كركوك وصلاح الدين» .
وكانت الحكومة قد فتحت تحقيقين بشأن تلك الهجمات؛ حيث أشار التحقيق الأول الخاص باستهداف « الرادارات» إلى تحديد الجهات المتورطة دون الكشف عن أسمائها، فيما لم تُعلَن نتائج تحقيق هجمات كردستان حتى الآن.
ووفقًا للمصادر، فإن الطائرات المسيّرة التي استهدفت الرادارات انطلقت من مناطق جنوب بغداد، قرب جرف الصخر، بعد تلقّي العراق دعمًا فنيًا من التحالف الدولي لتحديد مواقع الإطلاق.
وفي نهاية تموز 2024، أقرت «كتائب حزب الله» بأنها تعمل على تطوير طائرات مسيّرة بمساعدة «خبراء»، وذلك في بيان علّقت فيه على قصف أميركي استهدف منطقة الجرف، مشيرة إلى أن تلك المسيّرات كانت مخصصة «لحماية زوار أربعينية الإمام الحسين».
وفي السياق ذاته، أعلن اللواء صباح النعمان، المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، الجمعة الماضية، أن التحقيقات توصلت إلى تحديد منشأ المسيّرات المستخدمة، مُبيِّنًا أنها «تحمل رؤوسًا حربية بأوزان مختلفة ومصنّعة خارج العراق، لكنها أُطلقت من مواقع داخل البلاد».
وأكد أن «الجهات الأمنية كشفت الجهات المتورطة في تنفيذ وتنسيق هذه الهجمات»، دون الإعلان عنها، مضيفًا أن «جميع المسيّرات الانتحارية المستخدمة من النوع نفسه، مما يدل على أن الجهة المنفِّذة واحدة»، مشددًا على أن «السلطات ستتخذ الإجراءات القانونية بحق جميع المتورطين، وستُحال ملفاتهم إلى القضاء العراقي العادل».
مكالمة روبيو: ابتعدوا عن النفوذ الإيراني
من جانبه، كشف وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو عن فحوى الاتصال مع السوداني، وقال في تدوينة على منصة «إكس»: «تحدثتُ مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بشأن الهجمات الأخيرة على شركات النفط، بما فيها شركات أميركية»، مؤكدًا دعم بلاده لـ«عراق مزدهر، خالٍ من النفوذ الإيراني الخبيث».
وفي تصريح صحفي نُشر على الموقع الرسمي للسفارة الأميركية في بغداد، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، تامي بروس، إن «روبيو شدد خلال الاتصال على ضرورة محاسبة المسؤولين عن الهجمات على البنية التحتية للطاقة، ومنع تكرارها».
وأشارت بروس إلى أن الوزير الأميركي «لفت إلى أهمية صرف رواتب موظفي إقليم كردستان بانتظام، واستئناف تصدير النفط عبر خط أنابيب العراق – تركيا»، كما أعرب عن «مخاوف واشنطن الجدية» بشأن مشروع قانون هيئة الحشد الشعبي المطروح حاليًا أمام مجلس النواب، محذرًا من أن «مثل هذا التشريع قد يُرسخ النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة، ويقوض سيادة العراق».
قانون الحشد: استقلالية وتوسع عسكري
ويستعد البرلمان العراقي لتمرير مشروع قانون «الحشد الشعبي»، بهدف إغلاق أية محاولات لدمج مقاتلي الهيئة، البالغ عددهم نحو 300 ألف عنصر، في المؤسسات الأمنية الرسمية.
وقال السوداني في مكالمته الأخيرة مع وزير الخارجية الأميركي، إن «طرح قانون الحشد الشعبي أمام مجلس النواب يأتي ضمن مسار الإصلاح الأمني».
وأكد أن «الحشد الشعبي هو مؤسسة عسكرية عراقية رسمية تعمل في ظل صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة».
وتمنح مسودة القانون، التي قُرأت مرتين في البرلمان وتواجه اعتراضات من القوى السنية والكردية، الحشد الشعبي صفة «قوة مستقلة» ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة.
وتنص المسودة على أن مهام الحشد تشمل «حماية النظام الدستوري والديمقراطي في العراق، والدفاع عن وحدة وسلامة أراضيه، ومكافحة الإرهاب».
كما يتيح القانون للهيئة «بناء مؤسسة عسكرية متكاملة من حيث التسليح والتجهيز والتدريب»، مع «الاستمرار في تطوير القدرات القتالية»، ومنحها حق «تقديم المشورة للحكومة في القضايا المرتبطة بالأمن الوطني».
ووصف مشروع القانون مقاتلي الحشد بـ«المجاهدين»، دون تحديد دقيق لأعدادهم أو رواتبهم، مشيرًا إلى تجهيزهم بأحدث تقنيات التسليح.
وتتضمن المسودة تأسيس «أكاديمية الحشد الشعبي»، تمنح شهادة البكالوريوس في العلوم العسكرية لخريجيها، في خطوة تكرّس الطابع المؤسساتي للهيئة على غرار الكليات العسكرية التابعة للجيش العراقي.