أكدت تقارير بريطانية أن القوات المسلحة ستظل موالية لنظام بهلوي وأن الانقلاب بقيادة ضباط من الرتب المتوسطة أمر غير مرجح
لم تكن بريطانيا تتوقع سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي قبل وقوع الثورة (غيتي)
تمر هذه الأيام الذكرى الـ45 للثورة الإيرانية التي أطاحت نظام الشاه محمد رضا بهلوي في التاسع من فبراير (شباط) 1979، تلك الثورة الشعبية الواسعة التي شاركت فيها معظم القوى السياسية الشمولية والتيارات التابعة للشعوب غير الفارسية في إيران.0 seconds of 25 secondsVolume 90%
وعلى أثر أن طهران شهدت حقبة قمعية أزيحت فيها شخصيات قيادية عدة، فإن مهمة قيادة الثورة أوكلت إلى روح الله الخميني، وهو رجل دين معارض، كان يقيم في منفاه بالعراق منذ الثامن من سبتمبر (أیلول) 1965. وحظي الخميني بمركز قيادة الثورة الإيرانية بسبب معارضته نظام الشاه وتأكيداته المتكررة حول عدم رغبته في السلطة بعد نجاح الثورة، وهو الوعد الذي لم يتحقق إطلاقاً.
بعد السيطرة على مقاليد الحكم في إيران أعلن الخميني أن الثورة “لن تنحسر” في حدود إيران الجغرافية، وأن طهران كانت نقطة البداية لثورات وانقلابات مماثلة في المنطقة العربية، وهو ما استفز دولاً عربية حينها، مما أثار توتراً بين العراق وإيران، وأدى إلى اندلاع حرب دموية بين الدولتين الجارتين، استمرت أحداثها ثماني سنوات (1980 – 1988).
الخميني نادى إلى تصدير الثورة منذ بداية هيمنته على الحكم بعد سقوط الشاه ( غيتي)
وعلى رغم كثرة الإشاعات حول الدور الغربي الخفي في صعود الملالي وتسلم السلطة في إيران، تشير وثائق أرشيف وزارة الخارجية البريطانية إلى أن الاستخبارات ومراكز البحوث في الدول الغربية حتى أشهر عدة قبل اندلاع الاحتجاجات في إيران “لم تتوقع” حدوث ثورة شاملة في هذا البلد، لذا راجعت الخارجية البريطانية بعد شهر واحد من انتصار الثورة سياستها تجاه طهران، لمعرفة أسباب الفشل الاستخباراتي في التقييم الأمني للأوضاع الإيرانية، وعدم التنبؤ مبكراً بحدوث الثورة.
فشل في قراءة شخصية الشاه
تقول إحدى وثائق الخارجية البريطانية، “في السنوات التي سبقت سقوط الشاه، حددت وزارة الخارجية والسفارة في طهران جميع العناصر التي كانت ستجتمع معاً لإحداث الثورة، لكن جرى التقليل من الأهمية والقوة المحتملة لبعض العناصر، منها النشاط السياسي للملالي وقوتهم في تنظيم المساجد والجوانب الأقل مذاقاً لنظام الشاه وآثارها على الناس والحياة الفكرية في إيران خارج الطبقة الغربية، كما أننا قللنا من تقديرنا لمدى توجه الشاه نحو التنمية الاقتصادية”.
فشل الغرب في قراءة شخصية الشاه على أساس سلوكه السابق والتوقع أنه قد يتردد في مواجهة الأزمات (الأرشيف البريطاني)
وتشير الوثيقة إلى أن النجاح الاقتصادي “أدى إلى زعزعة استقرار المجتمع، وحين تعثر النجاح في بداية عام 1978، اتحدت مختلف فروع المعارضة ضد الشاه، وربما كان هناك فشل في قراءة شخصية الشاه على أساس سلوكه السابق، والتوقع أنه قد يتردد في مواجهة الأزمات”.
سقوط نظام الشاه وإخفاق في التنبؤ
وفي فقرة أخرى يلفت التقرير إلى أن بريطانيا تساءلت: إلى أي أساس استندت سياستها تجاه إيران ما قبل الثورة؟ وأين مكمن الخطأ؟ “في مارس (آذار) 1979، أجرينا تحليلاً تاريخياً مفصلاً للسياسة البريطانية تجاه إيران في السنوات التي سبقت الثورة. لم يكن القصد من ذلك هو وضع اللوم على فشلنا، إلى جانب كل أصدقاء إيران الآخرين، في التنبؤ بسقوط الشاه بصورة مبكرة بما فيه الكفاية، لكن لدراسة تاريخ سياستنا والمعلومات والأحكام التي استندت إليها هذه السياسة. ولمعرفة مكامن الخطأ، وكيف يمكننا أن نفعل ما هو أفضل للمستقبل”.
أخفق أصدقاء إيران من الدول الغربية في التنبؤ مبكراً بسقوط نظام الشاه (الأرشيف البريطاني)
ويتابع التقرير، “كانت لبريطانيا روابط تقليدية وثيقة مع إيران. لقد أتاح لنا موقف الشاه المؤيد الغرب والثروة الكبيرة فرصاً كبيرة. إن القرار الذي اتخذ في عام 1969 بإنهاء علاقاتنا التعاهدية القائمة مع دول الخليج العربي بحلول عام 1971 جعل من المهم بالنسبة إلينا حماية إيران ودعمها. لقد أسهم نجاح هذه السياسة في تسهيل انسحابنا إلى حد كبير، وخفف من المشكلات المحتملة التي خلفتها وراءنا. لقد حصلنا أيضاً على فوائد تجارية كبيرة. لذلك كان من المفهوم أن يأخذ الوزراء وجهة النظر القائلة إننا يجب أن ندعم الشاه بكل ما فيه من عيوب وسلبيات. إن القيام بخلاف ذلك لن يؤدي إلا إلى تقديم مزايا لمنافسينا”.
وعن أي مستقبل ونظام منتظر يقول التقرير، “لم يكن من السهل تحديد أي نظام بديل ممكن ومقبول. وحتى لو كنا قد طلبنا من الشاه تبني الليبرالية، فمن غير المؤكد أن يكون المسار الأكثر تصميماً هو أن تنجح مثل هذه السياسة، أو حتى إن الشاه كان سيتبع نصيحتنا. ولو أننا طلبنا في أغسطس (آب) 1978، على أن ينقل الشاه السلطة إلى شخصيات معارضة معتدلة، لما وافق الشاه، على طريقة كيرينسكي”.
لا خطر من المعارضة أو الجيش
ويستعرض التقرير السنوي للسفارة البريطانية لدى طهران والمرسل في الـ23 من مايو (أيار) 1978 إلى وزير الدولة للشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث في لندن، أبرز النقاط الواردة في التقرير السنوي للملحق العسكري في السفارة البريطانية لعام 1977.
يقول التقرير “من حيث التطور العام والكفاءة والأداء للقوات المسلحة الإمبراطورية الإيرانية، لم يحدث شيء ذو أهمية كبيرة في عام 1977، باستثناء معدل الحوادث المرتفع في سلاح الجو. لذلك أعتزم في هذا الإرسال أن أركز على جانبين فقط، وهما درجة ولاء القوات المسلحة لنظام بهلوي، ومبيعات الدفاع البريطانية لإيران. ومنذ أن ظهرت على الوضع الداخلي في إيران أعراض القلق قبل بضعة أشهر لأول مرة منذ 15 عاماً، وبما أنه كان لا بد من استخدام القوات في مناسبتين أو 3 مرات لتفريق حشود مثيري الشغب”. ويتابع “للمرة الأولى أيضاً منذ 15 عاماً منذ سنوات، ركزت الموارد السياسية والخدمية للسفارة بصورة متزايدة على المسألة الحيوية المتمثلة في ولاء القوات المسلحة واحتمال أو عدم التدخل العسكري ضد النظام. في هذا السياق من الصعب للغاية على أي ملحق عسكري في إيران اختراق السرية الطبيعية والريبة لدى القوات المسلحة الإيرانية. يتعين علينا جميعاً الاعتماد إلى حد كبير على الأدلة الخارجية، لكننا نأمل في أن نكون قادرين على تحسين معرفتنا المباشرة بوسائل مختلفة خلال الأشهر المقبلة”.
الملحق العسكري بالسفارة البريطانية يقلل من خطر المعارضة ويستبعد قيام الجيش بثورة عسكرية ضد الشاه (الأرشيف البريطاني)
ويستنتج التقرير أن القوات المسلحة “ستظل موالية لنظام بهلوي، وأن الانقلاب بقيادة ضباط من الرتب المتوسطة أمر غير مرجح. لقد سبق أن أعربت عن آرائي في رسالتي في الـ10 من مايو بعنوان (ماذا يحدث إذا مات الشاه). لا يوجد سبب أساس يجعل القوات المسلحة ترغب في التخلص من البهلويين لصالح قوى يمينية استبدادية متساوية (القيادة الدينية)، أو قوى يسارية متطرفة، أو عناصر مركزية من المرجح أن يؤدي حكمها إلى الضعف والفوضى. أنشأ البهلويون القوات المسلحة الإيرانية الحديثة. لقد أبقوهم على رواتب جيدة ومجهزين جيداً ومعتنى بهم جيداً. لقد منحوهم مكانة وطنية. تلائم السياسة الخارجية البهلوية الجيش الفارسي، من حيث إنها ديناميكية دون تعريضهم لخطر جسيم”.
ويشير التقرير إلى أن السياسة الاقتصادية البهلوية “جلبت الثروة والتحديث. في ظاهر الأمر، يجب أن يكون لدى القيادة العسكرية كل الأسباب لمواصلة الاحتشاد وراء النظام. حتى الآن في الواقع، لم تكن هناك أي علامة على الإطلاق على أن الجيش يتعثر في أداء واجبه في أعمال الشغب الصغيرة إلى حد ما المعترف بها في الأشهر الأخيرة. من الصعب بالطبع قياس خطر وقوع انقلاب عسكري من قبل مجموعة صغيرة من الضباط ذوي الرتب المتوسطة. ومع ذلك فأنا أعتبر أن هذا من غير المرجح أن يحدث”.
القسوة الإيرانية في معاملة الأقليات
ويشير التقرير الدبلوماسي السري رقم 134/83 المعد من قبل رئيس قسم المصالح البريطانية في السفارة الملكية السويدية في طهران والمرسل لوزارة الخارجية وشؤون الكومنولث في بريطانيا في الـ29 من يونيو (حزيران) 1983 إلى الوضع الإيراني العام بعد الثورة، وفي العام الثالث من اندلاع الحرب الإيرانية – العراقية، “الوضع مضطرب، لكن إيران في وضع أفضل مما يتصوره معظم الناس. الاقتصاد قوي بصورة أساس وآفاق التصدير جيدة. هناك ثلاثة مصادر لعدم اليقين هي سوق النفط الدولية، لأن واردات إيران تعتمد على مبيعاتها من النفط، وإنهاء الحرب مع العراق، مما سيؤدي إلى تعزيز النشاط التجاري ومبيعات الأسلحة، والوضع السياسي الداخلي. قد تكون هناك أعمال عنف عندما يرحل الخميني، لكن من المحتمل أن يتمسك النظام ببعضه بعضاً، وتستقر البلاد تدريجاً في حكم أكثر واقعية من خلال سلسلة جديدة من التكنوقراط. أية حكومة متوقعة ستعطي الأولوية لحاجات الطبقات الفقيرة في المجتمع”.
أبدى تقرير دبلوماسي بريطاني اشمئزازه من القسوة الإيرانية في معاملة الأقليات (الأرشيف البريطاني)
لا يزال البريطانيون يلامون على ما يحدث في إيران. ولدينا مهمة إعادة بناء الثقة، ونحن نحرز تقدماً. يمكننا أن نتسامح مع عدم المساواة في التمثيل طالما أن علاقاتنا تتحسن من الناحية العملية. لا نحتاج إلى إخفاء اشمئزازنا من القسوة الإيرانية في معاملة الأقليات. ينبغي علينا تطوير الروابط التعليمية، واشتكى الدبلوماسيون من أن الإيرانيين تعلموا كثيراً عن الكاتدرائيات القوطية في أوروبا أكثر من مسجد الشيخ لطف الله في أصفهان”.
الخميني وصناعة العدو الخارجي
ويضيف التقرير في فقرات أخرى من أن وصف أميركا بالشيطان الأكبر ومعاداتها يعود جزئياً إلى كون النظام الإيراني كان في حاجة إلى وجود عدو خارجي، وذلك من أجل رص الصفوف، وتوحيد جبهته الداخلية. يقول التقرير “في الشؤون الخارجية، أعتقد أن أي نظام متوقع أن يأتي في إيران لن يلتزم مبدأ عدم الاعتماد على أي من القوى العظمى، التي يسمونها (لا شرقية ولا غربية). لقد صنف النظام الولايات المتحدة على أنها (الشيطان الأكبر) جزئياً، بسبب المشكلة القديمة المتمثلة في السعي إلى الوحدة ورص الصفوف الداخلية من خلال خلق عدو خارجي، وجزئياً لأن الولايات المتحدة توفر بالفعل تهديداً ثقافياً لنوع المجتمع المستقل الذي يرغبون في إنشائه. يريد معظم الإيرانيين أن يعيشوا مثل الأميركيين، وليس مثل الروس، لكن الإيرانيين يدركون جيداً أن أي خطر عسكري يأتي من جارتهم في الشمال. ويتعين على الأوروبيين واليابانيين أن يساعدوا من خلال إبقاء الخطوط مفتوحة أمام الإيرانيين، الذين بدأوا بالفعل في إقامة روابط دبلوماسية أكثر طبيعية في جميع أنحاء العالم”.
كان الخميني بحاجة إلى عدو خارجي للثورة لذلك وصف أميركا بالشيطان الأكبر (الأرشيف البريطاني)
ويضيف التقرير، “سوف تتسارع هذه العملية عندما تنتهي الحرب مع العراق. لن يكون هناك سبب إذاً، على سبيل المثال. لماذا لا ينبغي لإيران أن تطور علاقة معقولة مع دول الخليج؟ الذي يعد أمنه ذا أهمية كبيرة بالنسبة إلينا. وعلى رغم تطلعات الخميني إلى أن يكون زعيماً لجميع المسلمين، فإن معظم الإيرانيين يدركون أن هذا الأمر غير موجود، بخاصة بالنسبة إلى الشيعة. تصدير الثورة هو مطلب القومية الفارسية بصورة أخرى. وإذا حاولت القوة فلا بد من مواجهتها بقوة. عندما يدرك المديرون التنفيذيون الأكثر واقعية في المستقبل أن ذلك يسبب لهم أعداءً أكثر من الأصدقاء، فسيتم تجاهلهم أو إعطاؤهم أولوية منخفضة للغاية”.
اقرأ المزيد
- القرار 598 لإنهاء الحرب الإيرانية – العراقية: التوقيت والتحديات
- هذه هي أوجه الشبه بين صدام والخميني
- الحرس الثوري الإيراني… قوة عسكرية ونفوذ سياسي
- الشرق الأوسط بين رؤيتين إيرانية وعربية
هيا اقرأ… اعلم أنك إنجليزي
ويتحدث التقرير في فقرته الأخيرة عن عدم وثوق معظم الإيرانيين بالإنجليز، وأن الإنجليز دائماً يقفون خلف الأحداث. ويذكر نكتة كانت رائجة في الأوساط الإيرانية عام 1983: “تظل العلاقات الإيرانية مع المملكة المتحدة متأثرة بعمق بالتاريخ الماضي، لا سيما بسبب الفهم الخاطئ بأن البلاد مجرد بيدق في أيدي الآخرين، والاقتناع بأن البريطانيين هم أحد أذكى اللاعبين في الساحة الإيرانية. النكتة الحالية المنتشرة حول شخصيات بارزة من الماضي تقف أمام الرب، ويجري إعطاء كل واحد منهم ورقة ملفوفة ومقطوعة بالمقص، وتحوي الشكل المناسب لكل شخص منهم. حصل النبي عيسى على صليب وحصل هتلر على صليب معقوف. وحصل الخميني على تكليف معقد، حيث طلب منه تهجئة كلمة (Hell) باللغة الإنجليزية، فيشكو الخميني بأنه لا يستطيع قراءة اللغة الإنجليزية، فيقول له الرب: “هيا اقرأ، أعلم بأنك إنجليزي”.