بقلم : ناصر قنديل
– خرجت واشنطن من مرحلة الصمت وتكلّمت بتقديم رؤيتها للحل السياسي في سورية، بعدما جمعت السعودية والأردن وفرنسا وبريطانيا تحت عنوان مبادرة الخمسة بما أسمته بـ«اللاورقة» للتفاوض حول الحل السياسي لسورية، وقد تضمّنت اللاورقة الأميركية مجموعة من القواعد للحل السياسي. أهمها إضعاف دور السوريين في صناعة الحلّ بما في ذلك الدستور الجديد وإدارة العملية الانتخابية، لصالح إشراف أممي كامل يقوم على الانتداب وإلغاء سورية كدولة وتحويلها بيئة عمل أممية، أما ثانية هذه القواعد فهي توسيع نطاق مناطق النفوذ على حساب المؤسسات المركزية، حتى التي ستخضع للمسؤولية الأممية، بحيث تكون البرلمانات المحلية والحكومات المحلية ترجمة لتقاسم ما وصفته «اللاورقة» بالمناطق الإقليمية بين القوى الخارجية ومَن معها من قوى محلية.
– عملياً الورقة تدعو لتأجيل الحل السياسي بهدنة مديدة تكرّس تقاسم سورية بين مناطق شمال وجنوب ووسط، تحت إدارة وقف نار تتبع للأمم المتحدة، وتتشكل في ظلها سلطات محلية تدير الشؤون اليومية كإدارة محلية وليس كدولة، وتحل الدولة السورية لصالح الإدارة الأممية الهادفة لإلغاء دور إقليمي لا يمكن قيام دولة سورية من دونه في المنطقة كالتي تنغرس فيها الجغرافيا السورية، ليحل مكانها نشوء مناطق تابعة داخل الحدود للجيران الأقوياء، فتكرّس تبعية إقليم جنوبي لـ«إسرائيل» وشمالي لتركيا وشمالي شرقي لأميركا، ويُقال لروسيا وإيران لكم ما تبقّى ومعكم هياكل الدولة السورية المركزية.
– ليست مشكلة المبادرة بالتخريب الذي تصيب به سورية كوطن ودولة، ولا بالنيات السوداء التي تنكشف تجاه وحدة سورية وسيادتها بوضوح عبر نصوص الورقة. فهذه من فضائل الوثيقة في كشف نيات أصحابها بنص رسمي موثق، إلا أن مشكلة الوثيقة في كشفها عدم واقعية أصحابها، وانعزالهم عما يجري في سورية. فمناطق النفوذ الجنوبية والشمالية تتآكل، ومنطقة النفوذ الشمالية الشرقية تحتضر، والحضور «الإسرائيلي» والتركي ومن بعدهما الأميركي لن يفيده شراء الوقت، والرهان على إغراء روسيا وإيران بالشراكة في تقاسم النفوذ جهل وغباء بعد كل ما شهدته سورية وثبت معه أن مشروع حلفاء سورية واضح ووحيد، وهو استعادة الدولة السورية سيادتها ووحدتها.
– سورية والحلفاء ماضون عسكرياً في منطقة إدلب حتى التحرير وبعدها إلى الرقة، وصولاً للحسكة، وفي الطريق إلى الحسم العسكري باب مفتوح لتلقي كل متغير سياسي بإيجابية وانفتاح، سواء من تركيا أو من الأكراد أو من قيادات المعارضة الموهومين بالحلول المستوردة، للقول إن الرهان على الأميركي قد سقط وإن اللعب بالجغرافيا السورية عبث لم يعُد ينفع، وإن الدولة السورية هي العباءة التي تؤمن الغطاء للجميع وتقيهم البرد والحرّ، وتحفظ أمن الحدود وأمن عبر الحدود، وإن كل وهم بأمن عبر سورية على حساب الدولة السورية يستولد رداً معاكساً مماثلاً وأشدّ قوة.
– سورية وطن ودولة في منطقة رسم معادلات إقليمية ودولية لا تنفع فيها وصفات التحييد والتقاسم ولا رهانات التلاعب والتجاهل. وقد أثبت السوريون عبر التاريخ أنه لا يُقسَّمون ولا يُستتبعون، وأن الانتداب إلى زوال، وأن خيارهم الاستقلال، كانوا أضعف من اليوم ومن دون حلفاء موثوقين ولم يدعوا الخطط الأجنبية تقرّر بالنيابة عنهم مصير بلدهم، فكيف وهم ينتصرون بقوتهم وقوة تحالفاتهم؟ هل سيدعون الأجنبي الضعيف يستقوي عليهم؟