وجه المقاربة السياسية بين يلتسين وترامب

7

الكاتب / حسن فليح

 

الأول فكّك الاتحاد السوفيتي… والثاني في طريقه إلى تفكيك الولايات المتحدة؟

 

في لحظات التحول الكبرى، لا تسقط الدول دائمًا تحت ضربات الخارج، بل تتآكل من الداخل حين يصل إلى قمتها قادة يُجيدون هدم التقاليد أكثر مما يُجيدون بناء المؤسسات. من هذا المنظور، تبرز مقاربة سياسية مثيرة للجدل بين بوريس يلتسين، أول رئيس لروسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، ودونالد ترامب، الرئيس الأميركي الأكثر إثارة للانقسام في التاريخ الحديث.

ليست المقارنة هنا أخلاقية ولا أيديولوجية، بل بنيوية: كيف يتصرف زعيم شعبوي حين يُمسك بدولة عظمى تعيش أزمة هوية؟

يلتسين: هدم الدولة باسم الخلاص

حين صعد بوريس يلتسين إلى المشهد، كان الاتحاد السوفيتي منهكًا، لكن ما عجّل بسقوطه لم يكن الضغط الخارجي وحده، بل تفكك مركز القرار وتآكل شرعية الدولة نفسها.

يلتسين لم يُدِر عملية تفكيك منظمة، بل قاد:

صراعًا مفتوحًا مع البرلمان

تهميشًا للمؤسسات

حكمًا قائمًا على الفرد لا النظام

واقتصاد صدمة حوّل الدولة إلى غنيمة للأوليغارش

النتيجة لم تكن “انتقالًا ديمقراطيًا” بقدر ما كانت انهيارًا للدولة المركزية، فتح الباب أمام الفوضى، ثم أعاد إنتاج السلطوية بصيغة أكثر قسوة لاحقًا.

ترامب: تفكيك ناعم للدولة العميقة

في الحالة الأميركية، لا يواجه ترامب دولة منهارة، بل واحدة من أعرق الديمقراطيات المؤسسية في العالم. لكن المفارقة أن أسلوبه السياسي يحمل سمات مشابهة:

التشكيك المستمر في شرعية الانتخابات

ضرب الثقة بالإعلام والقضاء

تحويل الانقسام الاجتماعي إلى أداة حكم

تقديم “الزعيم” بوصفه أعلى من المؤسسات

ترامب لا يفكك الولايات المتحدة بقرارات دستورية، بل عبر تآكل الإجماع الوطني، وتسييس الهوية، وتحويل الدولة إلى ساحة صراع داخلي دائم. وهو تفكيك بطيء، لكنه عميق الأثر.

الشعبوية كأداة هدم

يلتسين وترامب استخدما الشعبوية بطريقتين مختلفتين لكن بهدف واحد:

إضعاف الوسيط المؤسسي بين الحاكم والشعب.

يلتسين خاطب شعبًا مُنهكًا ووعده بالحرية

ترامب خاطب مجتمعًا منقسمًا ووعده باستعادة “العظمة”

في الحالتين، كان الثمن:

تراجع الثقة بالنظام

صعود الاستقطاب

وتحويل السياسة إلى معركة هوية لا إدارة مصالح

الفارق الجوهري: صلابة الدولة

الاختلاف الحاسم بين التجربتين يكمن في قوة الدولة نفسها.

الاتحاد السوفيتي كان هشًّا من الداخل، يحمل تناقضاته القومية والاقتصادية، فسقط سريعًا.

أما الولايات المتحدة، فما زالت تمتلك:

مؤسسات راسخة

توازنات سلطوية

مجتمعًا مدنيًا فاعلًا

لكن استمرار هذا المسار الشعبوي يطرح سؤالًا لم يكن مطروحًا قبل عقدين:

هل يمكن للديمقراطية أن تنهار من داخلها، دون انقلاب أو حرب أهلية؟

يلتسين لم يكن “خائنًا” بقدر ما كان نتاج لحظة انهيار، لكنه عجّل بالسقوط حين فضّل السلطة على الدولة.

ترامب، بدوره، ليس سبب كل أزمات أميركا، لكنه كشف هشاشتها الداخلية، وفتح الباب أمام سيناريو كان يُظن مستحيلًا:

دولة عظمى تُفكَّك معنويًا، قبل أن تُفكَّك سياسيًا.

التاريخ لا يكرر نفسه حرفيًا، لكنه يهمس بتحذير واضح:

حين تُدار الدول الكبرى بعقلية الزعيم لا بروح المؤسسة،

فإن التفكك لا يعود احتمالًا نظريًا… بل مسارًا مفتوحًا على كل الاحتمالات .

التعليقات معطلة.