طالب الرفاعي
ربما أحدٌ غافلٌ كما كُلِّنا،
قد تنتظره يأتي من زاويةٍ بعينها، أو مرضٍ بعينه، أو حتى خطر، لكنه لا يأتي من مكانٍ محدد، ولا زاويةٍ بذاتها! هو سره الأعظم في لحظةٍ محددة سلَفًا في السماء، يأتي كنسمة هواء هادئة، لا يُشْعِرُ أحدًا بحضوره. يأتي من لا مكان ومن كل صوب! لحظتها فقط تقف بين يديه وحدك. لا تدري كيف تُعاش تلك التجربة. قد ينظر في عينيك، فيقشعر شعر بدنك، وينكتم حسك مُرتجفًا وتتزلزل، لكنه كأبسط ما يكون الأمر، ينتزع الروح منك، يُطفئ شمعة عمرك، كما أطفأ أعمار البشر.
ربما أحدٌ غافلٌ كما كُلِّنا،
هو المذاق، وهي اللحظة المُنتظرة، ولا بدَّ لي ولك من تذوّق طعمها شاقًا كان أو رحيمًا!
يوم الجمعة، كأهدأ ما يكون جو البيت. أدى عبدالرحمن صلاة الجمعة في المسجد كعادته، وعاد ماشيًا، في ريعان شبابه، ينتظر عرسًا تقرُّ به عينا والدته.
هي اللحظة تحديدًا، وهو الموعد المضروب مُسبقًا في السماء، وهو اللقاء الذي لا محيد عنه، تمدد عبدالرحمن على فراشه، ينتظر الغداء، وحينها مرت به النسمة الباردة، كيف تراه قابل حضور اللحظة؟ كيف تراه تخلّى عن جميع أحلامه؟ ما تراه دار بذهنه لحظتها؟ وكيف تراه قابل ذاك الملاك؟
ربما أحدٌ غافلٌ كما كُلِّنا،
حضرَ بمهابته، بالخوف الذي يملأ قلوب البشر منه! دخلَ كالنسمة، يعرف تمامًا زوايا المكان، ويعرف تمامًا صاحبه. لا يمكن أن يُخطئ هدفه. علّمه الخلّاق، فاعتاد مهمّته المكلّف بها. هو هنا أمامي اللحظة، يحيط بي، وأمامك أنتَ في لحظتك ومكانك! هو هنا وهو هناك في كل مكان، وكأبسط وأسهل ما يكون يُطفئ شموع أعمار البشر بقصور أحلامهم، كُلُّنا سواسية أمام مروره، وكلٌ يتذوّق طعم كأسه الذي لا ينفد!
ربما أحدٌ غافلٌ كما كُلِّنا
عبدالرحمن يا ولد أختي، كُنتَ شابًا رياضيًا أصغر مني بكثير، ولم يكن يخطر ببالي أن أكتب نعيًا لك. ربما دار ببالي، أنك ستحمل نعشي. لكنها النسمة، ولكنها الكأس!
لروحك الطاهرة الرحمة والمغفرة.
أختي حياة، لكِ محبة قلبي كما دائمًا. ولك حسن العزاء، ولك الأمنية الغالية بأن يربط الله على قلبك فأنتِ مسلمة مؤمنة، يردد قلبك كما لسانك: لله ما أعطى ولله ما أخذ. اللهم لا اعتراض!
طالب الرفاعي

