مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
حين تُصابُ السياسة بالعُقم، وتعجز ماكينة الدبلوماسية عن الدوران وإنتاج «القماش» الصالح لرتق ثقوب الدولة والسلم في السودان، يأتي الفنُّ وتدلف الشاعريات والمشاعر لتمسحَ بيدها الحانية على جراح السودان وترقأ دموع السوداني، وتنشر غصون الأمل على شمس الحياة المشرقة.
قبل أيام طالعتنا الأخبار عن أغنية لشابٍّ سوداني معروف باسم «ود الزين» على طريقة أهل السودان اللطيفة في الأسماء والألقاب، احتفى بها السودانيون على مسارح السوشيال ميديا، وحقّق مقطع الأغنية رواجاً كبيراً، منذ انطلقت الأغنية على منصة «تيك توك» العجيبة في دنيا العجائب.
مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في السودان تداولوا فيديو الأغنية على «تيك توك»، الذي يظهر فيه الفنان السوداني الشاب ود الزين يغني أغنية «صباح انتباهك»، التي تدعو إلى وقف التناحر والسلام.
بلغت مشاهدات الفيديو أكثر من مليون مشاهدة، الأسبوع الماضي فقط، حسب «راديو دبنقا»، كما جاء في خبر «العربية نت».
ود الزين عبّر عن سعادته بالتفاعل الذي قوبلت به الأغنية، خاصةً أن الأغنية تتحدث عن أهمية التسامح والسلام، وتلبي رغبة السودانيين في أن يصبح السلام دائماً بين أهل السودان. وذكر ود الزين في حديث لـ«العربية نت» أنَّ الأغنيةَ من كلمات الشاعر سفيان جنو، وتم إنتاجُها بعد اندلاع الحرب الطاحنة في السودان.
هذا الشابُّ السوداني ينتمي، كما جاء في التقرير، لأسرةٍ فنّية متشعبة، وهو اختار أسلوب موسيقى «الريغي» متبعاً خطوات أسطورة الريغي، بوب مارلي، لكن بطريقة لا تجافي ذائقة المستمعين في السودان المجبولة على السلم الموسيقي الخماسي… وكلنا نعلم حجم أثر الأسطورة بوب مارلي على ذائقة أجيال من الشباب قديماً وحديثاً، وهو الذي تميّز بهوية فنّية خاصة، ومظهر أكثر خصوصية، ورسائل سياسية ذات طابع متمرد وثوري.
المهم في صاحبنا ود الزين أنَّه بعيداً عن شكل البوب مارلي متمردٌ على واقعٍ سوداني تعيس اليوم – ونعم التمرد هذا – حين يقتل السوداني أخاه السوداني، وتنتحر خريطة السودان بخناجر أبنائه، ويسيل دمُه الزكي على مذبح السلطة العمياء، فلا كاسبَ هنا إلا البؤس والعتمة!
سوداني يقتل سودانياً، هذه هي الخلاصة، كما ذكرتُ سابقاً، دع عنك دورَ الخارج، شرقياً أم غربياً، عربياً أم أعجمياً، مسلماً أم غير ذلك، ففي الجوهر، أنت أيها الإنسانُ السوداني في طرفي الصراع، بين جماعة البرهان وجماعة دقلو، السافكُ الأول لدم أمِك ووالدِك الصبور… السودان.
هل الحل أن ينتفضَ بقية أهل السودان على هؤلاء، ولكن بأي طريقة، بالقتال؟! معنى ذلك أنَّهم يفعلون مثلهم، إذا ليكن التمرد بالأخلاق وإيقاظ الضمير وهدير الفنّ… لعل وعسى.
قال الشاعر العربي القديم الحارث بن وعلة، وهو يصف مأساتَه مع قومه الذين آذوه أيَّما أذى، وقتلوا أخاه أميم
قومِي هم قتلوا أُمَيمَ أخي… فإذا رميتُ يُصِيبنِي سهمي
فلئن عَفَوْتُ لأعفونْ جَللاً… وَلَئِن سطوتُ لأوهِننْ عظمي!