بعد أكثر من 13 سنة من “ثورة 2011” في تونس لا يزال الجدال قائماً في البلاد في أحقية عودة رموز نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي الى المشهد السياسي من جديد. فقد أثار ظهور اسم الوزير في عهد بن علي منذر الزنايدي كمرشح محتمل لرئاسيات 2024 الجدل في المشهد السياسي التونسي في الأيام الأخيرة، وخصوصاً أن استطلاعاً حديثاً للرأي صنفه من بين أبرز المرشحين للرئاسة. وحلّ الزنايدي ثالثاً خلف الرئيس قيس سعيّد والسياسي الصافي سعيد متقدماً على رئيسة الحزب الدستوري الديموقراطي الحر عبير موسي التي طالما كانت تعتبر من بين أبرز المرشحين للمنافسة على هذا المنصب، كرمز لما تبقّى من العائلة الدستورية، وهي العائلة السياسية التي يندرج فيها حزب الرئيس بن علي سابقاً. وأعلن الزنايدي الذي شغل حقائب عدة في فترة حكم بن علي من بينها الصحة والتجارة والسياحة عزمه على الترشح عبر بيان نشره على حساباته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. وسبق للزنايدي أن ترشح لانتخابات 2014 و2019 من دون أن يحصل على نسب تصويت عالية، ولا يُعرف للرجل نشاط سياسي أو مواقف ممّا يحدث في تونس منذ عام 2011، لكن اسمه يُتداول مع كل استحقاق انتخابي.حكم بن علي إلى واجهة السجالوفور إصدار الزنايدي بياناً لمّح فيه الى اعتزامه الترشح للانتخابات المقبلة مؤكداً أنه لن يتأخر عن تلبية نداء الوطن، عادت الأصوات المنتقدة لهذا الظهور الذي حاز اهتمام الأوساط السياسية والإعلامية وحتّى الشعبية. ولم يخفت الجدل في تونس بشأن رموز منظومة حكم بن علي الذي أطاحته “ثورة 2011″، وفي حين يعتبر البعض أن من حق هؤلاء العودة الى المشهد السياسي مثل غيرهم من الفاعلين السياسيين، يعتبر البعض الآخر أن الثورة قامت من أجل إطاحتهم وطيّ صفحتهم وبدء أخرى جديدة. ولا يُخفي جزء كبير من التونسيين تحسرهم على أيّام حكم بن علي بسبب ما آلت إليه أوضاع بلدهم، ويجري هؤلاء مقارنة بين وضعه اجتماعياً وأمنياً واقتصادياً في تلك الفترة وبين ما أصبحت عليه اليوم. فمنذ سنة 2011 شهدت تونس تراجعاً على مستويات عديدة من بينها الأمني، إذ ارتفعت نسب الجريمة وظهرت التيارات المتطرفة، والاقتصادي بعدما غرقت البلاد في واحدة من أكبر أزماتها الاقتصادية تاريخياً والتي يشبهها المتابعون بأزمة فترة السبعينات. ويقول أصحاب هذا الرأي إن ما حققه البلد في فترة حكم بن علي الذي يوصف بالديكتاتور كان أفضل مما تحقق بعد سقوطه. ويقول المحلل السياسي حسان العيادي لـ”النهار العربي” إن الزنايدي يمثل بالنسبة الى البعض البديل الذي قد يمد لهم قارب النجاة، وخصوصاً أن كثيرين صاروا يجرون مقارنات بين ما كان وما أصبح في ظل غياب أي منجز اقتصادي للثورة. ويذكر هنا بترشح الباجي قائد السبسي، رئيس تونس السابق، الذي حصل على أرقام قياسية واعتبره البعض أيضاً وقتها بديلاً من فشل الإسلاميين.لا عودة الى الوراءفي المقابل يدافع أنصار “ثورة 2011” عن فكرة طي صفحة منظومة حكم بن علي والقطع معها بشكل نهائي عبر استبعاد رموزها وكل من استفاد منها. وينتقد هؤلاء بشدة “الظهور المفاجئ لوزير بن علي” في إشارة الى الزنايدي. ويرفض هؤلاء عودة رموز منظومة حكم ما قبل 2011 معللين موقفهم بما عاشته تونس من قمع وفساد في تلك الفترة. ويرفضون منطق تعداد انجازات بن علي مؤكدين أن ما تعيشه تونس اليوم هو امتداد لما حدث تحت حكمه. وبعد 2011 واجه عدد كبير من السياسيين والمسؤولين الذين انتموا الى حكم بن علي ملاحقات قضائية انتهى عدد منها بسجن بعضهم، فيما لا تزال بعض القضايا الأخرى جاريةً. جدال انتخابيلكن الجدال بشأن الزنايدي لا يقف عند علاقته بالرئيس بن علي، فالرجل يواجه أيضا انتقادات لكونه المرشح “الخفي” للإسلاميين الذين يدفعون باسمه كلّما احتاجوا مرشحاً لضرب خصومهم. ويقول مراقبون إن اسم الزنايدي أعيد الى الحياة ليكون ممثلاً للإسلاميين الذين فضّلوا في الفترة الأخيرة التواري عن الأنظار بعدما أزاحهم الرئيس سعيّد من الحكم، فيما يصفه آخرون بأنه “بالون اختبار”. ويقول المحلل السياسي مهدي المناعي لـ”النهار العربي” إن سبب الجدل بشأن ترشح الزنايدي “غير المؤكد لحد الآن”، ليس لكونه من رجالات بن علي فذلك “ربما يكون خطاباً تسويقياً لضرب الرجل”، بل “لإحداث شرخ في العائلة الدستورية بطرحه اسماً منافساً لعبير موسي التي لا يُعرف أيضاً إن كانت ستترشح أم لا بحكم وجود ملاحقة قضائية بشأنها”.
ويعتبر المناعي أن الزنايدي الذي يواجه، بدوره، ملاحقات قضائية ليس مرشحاً من الوزن الثقيل، فقد سبق أن ترشح في مناسبتين سابقتين ولم يكن من بين الأسماء الأولى الخمسة. ويُذكر أنه بعد اعلان بيان الزنايدي مباشرة قالت تقارير إعلامية إن الرجل صدرت بشأنه بطاقة جلب من أجل شبهة تورطه في قضايا فساد. في المقابل، يعتبر العيادي ان “قوس ثورة 2011 أغلق مع الأحداث الاستثنائية” لعام 2021. لكنه يلفت إلى أن “الجدال الحقيقي بشأن ترشح الزنايدي يعود في جزء منه الى السؤال: من سيكون منافسه؟ هل الرئيس سعيد أم عبير موسي التي تنتمي الى عائلته السياسية نفسها؟”. وتنظم تونس انتخاباتها الرئاسية خريف هذا العام، في مشهد سياسي مرتبك يتسم بصراع متواصل منذ أكثر من سنتين بين الرئيس سعيّد والمعارضة التي تتهمه بالرغبة في الانفراد بالحكم.