نجح باحثون في تطوير حبر إلكتروني سائل يمكن طباعته مباشرة على فروة الرأس لمراقبة الموجات الكهربائية في الدماغ، ما يوفر بديلاً مُلَطَّفاً بالمقارنة مع الطرق التقليدية في الحصول على تخطيط لتلك الموجات.
ويحتوي الأخير على عشرات المليارات من الأعصاب التي “تتخاطب” في ما بينها عبر إرسال وتلقي إشارات كهربائية متنوعة.
ويُتيح هذا الحبر الإلكتروني “غرس” وشوم إلكترونية تستطيع أن تتبع بدقة وبصورة فورية ومباشرة ومستمرة، مسارات الموجات الكهربائية في الدماغ التي يفترض أنها تعبر عن نشاطاته وفعالياته المختلفة.
وفي مسار متصل، يُتوقع أن تُحدث هذه الابتكارات تغييرات جذرية في تقنيات التفاعل بين الدماغ والحاسوب Brain Computer Interface، بطرق تجعلها أسهل وأعلى كفاءة، ولا تتطلب تدخلاً جراحياً لتثبيتها.
البث المباشر من فروة الرأس
وفق ما نشر موقع “سايتك دايلي” Scitechdaily، استطاع العلماء للمرة الأولى، وضع مكوِّنات إلكترونية في سائل يمكن تثبيته بالطباعة مباشرة على فروة رأس المريض لمراقبة نشاط الدماغ. ونُشرت تفاصيل هذا الإنجاز في الثاني من كانون الأول/ديسمبر في مجلة “سِل بيومتيريالز” Cell Biomaterials.
ووفق ما توضحه نانشو لو، المؤلفة المشاركة والباحثة في جامعة تكساس في أوستن، تعتبر تلك الأوشام الإلكترونية e-tattoos إنجازاً ثورياً. وبحسب كلماتها، “إن ابتكاراتنا في تصميم المستشعرات الإلكترونية [وهي المُكوِّنات التي وضعت في السائل المبتكر]، والحبر المتوافق مع الجسم، والطباعة العالية السرعة؛ تمهد كلها الطريق لتصنيع هذا النوع من الوشوم الإلكترونية مباشرة على الجسم، مع ما تحتويه من مستشعرات. ويفتح ذلك الأمر آفاقاً واسعة لتطبيق ذلك الابتكار” في مجالات طبية واسعة.
ثورة في تخطيط الدماغ
يعتبر التخطيط الكهربائي للدماغ (EEG) أداة مهمة لتشخيص مجموعة متنوعة من الحالات العصبية، بما في ذلك النوبات الكهربائية والأورام والنزيف وغيرها.
تتطلب عملية إجراء تخطيط الدماغ التقليدية قياس فروة رأس المريض باستخدام المساطر وأقلام الرصاص، ثم تحديد أكثر من عشر نقاط يتم لصق الأقطاب الكهربائية عليها. بعدها، يُصار إلى توصيل هذه الأقطاب بجهاز جمع البيانات عبر أسلاك طويلة لمراقبة نشاط الدماغ لدى المريض. تستغرق هذه العملية وقتاً طويلاً وتكون معقدة، وغالباً ما تكون غير مريحة للمرضى الذين يضطرون للجلوس ساعات طويلة بهدف إتمام الاختبار.
وفي أوقات مقبلة، قد يثبّت العلماء أنواعاً من تلك الوشوم الإلكترونية على الصدر لقياس نشاط القلب، أو على الجلد الذي يكسو العضلات لتقييم درجة الإجهاد العضلي، وحتى تحت الإبط لتحليل مكونات العرق.
التغلب على التحديات
في السابق، جرت العادة على طباعة الوشوم الإلكترونية فوق طبقة رقيقة من المواد اللاصقة قبل نقلها إلى الجلد، مع ضرورة إزالة الشعر منه قبل تلك العملية.
ولا تخفي لو أن “تصميم مواد متوافقة مع الجلد المشعر شكَّل تحدياً مستمراً في تقنية الوشوم الإلكترونية.”. وللتغلب على هذا التحدي، صمم الفريق نوعاً من الحبر السائل مكَوَّناً تراكيب معدنية دقيقة ومتنوعة. وبالتالي، صار ذلك الحبر قادراً على التدفق عبر الشعر ليصل إلى فروة الرأس ثم يصبح بحد ذاته (حينما يجف) مجسّاً رقيقاً يستطيع التقاط النشاط الكهربائي في الدماغ.
وباستخدام خوارزمية كمبيوتر، يمكن للباحثين التعرف على النقاط التي يجب أن يشملها الوشم الإلكتروني في فروة رأس المريض. ثم استخدموا طابعة نفث الحبر الرقمية لرش طبقة رقيقة من ذلك التاتو المبتكر، على تلك النقاط. وتجري تلك العملية بسرعة، ولا تسبب إزعاجاً كبيراً للمرضى، وفق ما ذكر الباحثون.
مقارنة ونتائج
لقد طبق الباحثون طريقة الوشوم الإلكترونية للحصول على تخطيط للموجات الكهربائية في أدمغة خمسة أشخاص، ثم قارنوا ذلك مع الطرق التقليدية في فعل الأمر نفسه. وقد أظهرت الوشوم الإلكترونية قدرتها على الاستمرار في التقاط الإشارات الكهربائية لمدة لا تقل عن 24 ساعة، فيما توقفت الأقطاب الكهربائية للأسلاك المستعملة في الطرق التقليدية لتخطيط الدماغ، بعد مرور ساعات قليلة.
بالإضافة إلى ذلك، عدَّل الباحثون تركيبة الحبر وطبعوا وشوماً إلكترونية في خطوط تمتد حتى قاعدة الرأس. وأدى ذلك إلى زيادة تركيز التقاط الموجات الكهربائية في الدماغ.
التأثيرات المحتملة
يوضح المؤلف المشارك في الدراسة خوسيه ميليان من جامعة تكساس في أوستن أن “دراستنا قد تُحدث ثورة في طريقة تصميم أجهزة واجهة الدماغ والحاسوب، بطرق غير جراحية”.
وتعمل أجهزة واجهة الدماغ والحاسوب من طريق تسجيل النشاطات الدماغية المرتبطة بوظائف معينة على غرار الكلام أو الحركة، ثم إرسالها إلى جهاز كومبيوتر يتولى تحويلها إلى أوامر معينة كطباعة نصوص على شاشة أو التحكم بذراع روبوتي أو ما شابه ذلك.
ومع الوشوم الإلكترونية المبتكرة، ستصبح هذه الآليات سهلة الاستخدام، وتزيد من كفاءة عمل أنظمة التفاعل بين الدماغ والحاسوب.