وظيفة الأعمدة المنصوبة في الرجاجيل بالسعودية

1

زاهي حواس

زاهي حواسعالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.

ظلت الأعمدة التي عثر عليها بالرجاجيل لغزاً محيّراً، ونُسجت حولها القصص والأساطير، وقد حار العلماء في تفسيرها، وتعدّدت آراء الباحثين في وظيفة الأعمدة المنصوبة واستخداماتها، وجاءت على النحو التالي: استخدامات فلكيّة مرتبطة بالنجوم، ويتعلق بها شروق الشمس وغروبها، حيث يستفاد منها في التوقيت؛ تبعاً لظِلّ الأعمدة خلال حركة الشمس في النهار. واعتقد البعض الآخر أنها نُصُبٌ تذكارية لزعماء القبائل، كما تفعل بعض الثقافات القديمة. وآخرون قالوا إنها أماكن دينية تُقام فيها بعض الطقوس والممارسات الدينية، وتُقدّم عندها النذور. وأخيراً قالوا إنها استخدمت مدافن للموتى تعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد، وكان يشترك في كل مدفن مجموعة أشخاص ربما كانوا من عائلة أو قبيلة واحدة.

وأول من زار هذا الموقع كان من الباحثين (فريدريك وينيت، وويليام ريد) في أثناء رحلتهما لمناطق شمال المملكة العربية السعودية عام 1962م، وقد نُشرت تفاصيل دراستهم. وقام العالم يوريس زارينس بنشر مقالةٍ خاصة عن موقع «الرجاجيل»، وقد جذبت أنظار الباحثين والمهتمّين.

وقد توصل العلماء إلى أن ماهية هذا الموقع كان مكاناً لتأدية الطقوس الجنائزية وأعمال الدفن، أو أنه كان مكاناً لتأدية العبادة، وإقامة الأنشطة الدينية المختلفة، وقد وصف العلماء الموقع بالدقة الكبيرة ووصف مكوّناته، ودراسة اللّقى الأثرية التي عُثر عليها فيه، واتفق الجميع أن هذا الموقع يعود إلى العصر النّحاسي في فترة ما قبل التاريخ.

وقامت البعثة السعودية – الألمانية بعمل مسوحاتٍ وحفرياتٍ أثرية في موقع «الرجاجيل» الأثريّ، التي أظهرت لنا بعض خفايا الموقع، ومنها تقاليد الدفن وطقوسه، إضافةً إلى المنشآت المائية كالآبار والأحواض، وأنواع متعدّدة من الأدوات الحجرية التي ترجع إلى سبعة آلاف عامٍ مضت.

وتميز أهالي منطقة الجوف بتراثهم الثقافي المعنوي الذي يعكس موروثاتهم الشعبية، وتقاليدهم العربية الأصيلة، والكثير من أشكال هذا التراث تتشابه مع أشكال الهوية الثقافية السائدة في المناطق الشمالية بالمملكة العربية السعودية، ومنها ما هو خاص بالمنطقة، ومن أبرز عناصر التراث الثقافي غير المادي بمنطقة الجوف كانت الحرف اليدوية وكان للثروة الحيوانية والزراعية، والموارد الطبيعية التي تمتعت بها منطقة الجوف دور كبير في الصناعات التقليدية والحرف اليدوية التي امتهنها أهالي المنطقة قديماً، حيث استثمروا هذه الموارد في صناعة منتجاتهم التي اعتمدوا عليها في حياتهم اليومية، فضلاً عن كونها وسيلةً لإبراز فنونهم التي تزيّنت بها هذه المنتجات من خلال الرسومات والنقوش والزخارف.

التعليقات معطلة.