وفاق نادر لفرقاء ليبيا يهدد الطموح السياسي لسيف الإسلام القذافي

1

“أنا حجر الأساس، إن أردتم التخلص مني يجب عليكم هدم المبنى بالكامل”

زايد هدية مراسل  

التهديد الأكبر الذي تصطدم به رغبة الأطراف الليبية لمنع ترشح القذافي للانتخابات الرئاسية يتمثل في الثقل القبلي الذي يسانده ويستند عليه (رويترز)

منذ إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية الليبية منتصف عام 2021، أصبح سيف الإسلام القذافي معضلة حقيقية في المشهد الليبي أسهمت بشكل كبير في تأجيل الانتخابات نهاية العام نفسه، وما زال يشكل عقبة حقيقية في الطريق المؤدية إلى صناديق الاقتراع، بسبب ما يشبه الإجماع بين الأطراف السياسية على إقصائه من الترشح لها، على رغم شعبيته المتنامية في السنوات الماضية.

هذا الإشكال ظهر جلياً في الاجتماعات الأخيرة في شأن القاعدة الدستورية المنظمة للعملية الانتخابية بين البرلمان ومجلس الدولة اللذين لم يتفقا على شيء أكثر من إبعاده عن الترشح للانتخابات، بعد اتفاقهما على منع كل من صدر بحقه حكم قضائي من التقدم للسباق الرئاسي، مما يوجه ضربة لطموحه في استعادة حكم والده الذي كان وريثه المنتظر قبل الثورة الشعبية عام 2011.

شعور بالخطر

ويبدو أن سيف الإسلام القذافي استشعر الخطر الذي يواجه مستقبله السياسي وما تقول أطراف مقربة له إنه يحاك له على طاولة المفاوضات السرية بين الأطراف الليبية، مما دفعه إلى التهديد بإفشال الانتخابات بعد تصريحات لرئيس مجلس الدولة خالد المشري أكد فيها الاتفاق في المحادثات الدستورية بينه ورئيس البرلمان عقيلة صالح على بند يقصي نجل القذافي من الانتخابات الرئاسية.

ولفت المشري قبل أيام قليلة إلى أن “رئيس مجلس النواب عقيلة صالح متمسك بترشح مزدوجي الجنسية، وهو الخلاف الوحيد المتبقي معه، بينما جرى الاتفاق على ألا يكون المرشح للرئاسة قد صدرت بحقه أحكام قضائية، حتى وإن كانت غير نهائية”. ويعني هذا البند، إذا أقرت القاعدة الدستورية الحالية قريباً، أن القذافي بات خارج السباق الرئاسي بشكل رسمي.

وفي اليوم التالي لهذا التصريح، نشر القذافي تغريدة أثارت جدلاً كبيراً، قال فيها، “أنا حجر الأساس، إن أردتم التخلص مني يجب عليكم هدم المبنى بالكامل”.

احتدام السجال

واحتدم السجال أكثر بين خالد المشري ونجل القذافي ومناصريه بعد تصريحات أخرى لرئيس مجلس الدولة اعترف فيها بوجود نية لاستبعاد المترشح الرئاسي سيف الإسلام القذافي من الانتخابات. وأكد أن “هذه الخطوة جاءت بضغط ودعم من بعض الدول العربية، ومن الدول الأجنبية العظمى”.

الفريق السياسي للمرشح القذافي أصدر فور صدور هذا التصريح بياناً رداً على المشري قال فيه إن “هذا الإعلان لم يكن مستغرباً ولا مفاجئاً لنا، لكن مما أثار استغرابنا فيه هو اتفاقهم على تمرير الفقرة التي تقصي سيف الإسلام بالقاعدة الدستورية، وتمرير شرط ترشح العسكريين واختلافهم على فقرة عدم ترشح مزدوجي الجنسية، بسبب وجود مرشح معين لديه جنسية أخرى غير الليبية (إشارة إلى قائد الجيش خليفة حفتر) وعزمهم طرح هذه الفقرة فقط من القاعدة للاستفتاء الشعبي”. وأكد الفريق أن “القذافي لن يمانع هذه الإجراءات، ولكن على المعنيين تحمل نتيجة قراراتهم وعبثهم”.

واعتبر الناطق السابق باسم نظام معمر القذافي، موسى إبراهيم، أن “هناك أطرافاً ليبية تحاول عزل، ليس فقط أنصار النظام السابق، وإنما عزل معظم الليبيين وإبعادهم عن تقرير المصير في بلادهم، وإقامة حوارات سياسية فوقية بين نخب هي بالأساس عميلة للأجنبي”. ورأى أن “ذلك لن يؤدي إلى حدوث إنجاز حقيقي لليبيين، وإنما استمرار المؤامرة بوجوه مختلفة، فبدلاً من أن يكون الصراع عسكرياً بين مجموعة ميليشيات، يصبح صراعاً سياسياً بين مراكز قوة سياسية، ويتم تمييع العملية الانتخابية”.

إجماع بين الفرقاء

وقبل تصريحات المشري التي كشفت عن وجود رغبة لدى مجلس النواب والدولة لتحقيق هذه الغاية، طالب رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة، بوجوب مثول القذافي أمام القضاء لمحاكمته على ما ينسب إليه من تهم. وقال الدبيبة، في لقاء تلفزيوني ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إن “سيف الإسلام القذافي ليس تحت يد السلطات الليبية، وعليه الامتثال لمحكمة الجنايات الدولية”.

التهديد القبلي

والتهديد الأكبر الذي تصطدم به رغبة الأطراف الليبية التي باتت معلنة لمنع ترشح القذافي للانتخابات الرئاسية، يتمثل في الثقل القبلي الذي يسانده ويستند عليه، خصوصاً في المنطقة الوسطى والجنوبية وبعض المدن الكبيرة في الغرب الليبي.

وفي هذا السياق، أعرب المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية بالمنطقة الغربية، والذي يجمع القبائل الموالية للنظام السابق، في بيان، عن رفضه “محاولات فرض قانون المدن المنتصرة الذي يحاول البعض تكريسه بشتى السبل”. و”لاحظ أخيراً إجراء عديد من اللقاءات السياسية التي تمحورت حول تقاسم السلطة والبقاء في المناصب أطول فترة ممكنة، مع إقصاء من يعارضهم من خلال اللعب على المسار الدستوري بشكل واضح ومكشوف في استهانة علنية بإرادة الشعب الليبي”. وأكد المجلس رفضه الشديد “كل التفاهمات المحدودة التي تجري بين هياكل سياسية منتهية الصلاحية وفاقدة الشرعية والأهلية، والتي تهدف إلى تفصيل انتخابات رئاسية ونيابية على مقاسهم ووفقاً لأطماعهم”.

عاد لينتقم

في المقابل، تبرر أطراف معارضة للقذافي الابن وممانعة لعودته للحياة السياسية موقفها منه بأنه إذا عاد للحكم فسيشن حملة انتقام من كل أسهم في إسقاط نظام أبيه ومقتله وإخوته، وسيدخل البلاد في مرحلة دموية جديدة، وربما لم يسبق لها مثيل. وترى هذه الأصوات أنه ليس من المنطقي عودة النظام السابق أو أي طرف يمثله لحكم البلاد بعد فشله السياسي والاقتصادي على رغم المدة الطويلة التي أدار فيها البلاد أربعة عقود.

الصحافي الليبي معتز الفيتوري يدعم هذا الرأي، ويعتبر أن “عودة النظام السابق لحكم البلاد ممثلاً في نجل معمر القذافي أمر لا يقبله عقل أو منطق، ونتائجه لا تحتاج إلى كثير من التوضيح، بالنظر إلى حصيلة حكم هذا النظام للبلاد الذي يظهر إرثها في الوقت الحالي”. وأضاف، “المعارضة لسيف الإسلام القذافي وعودته للسلطة لا تنحصر في الداخل الليبي فقط، بل هناك قوى دولية كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، أعلنت صراحة رفضها عودته، وهو ما أكده خالد المشري على العلن، وستعمل مع المحكمة الجنائية الدولية لجلبه إلى المحاكمة، مما ينهي فرصه تماماً في رئاسة البلاد”. وخلص إلى أن “روسيا هي الوحيدة التي تجاهر بدعم نجل القذافي لاستعادة حكم أبيه، لأسباب معروفة، ومع انشغال موسكو بالحرب التي تستنزفها حالياً في أوكرانيا أعتقد أن سيف الإسلام فقد أبرز ورقة دعم ومركز قوة يعتمد عليه، وعليه بشكل فعلي أن يساوم القوى الغربية التي تطارده لعقد صفقة يتنازل فيها عن طموحاته السياسية، مقابل عدم ملاحقته قانونياً وجره إلى المحاكمة والسجن”.وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أكدت، قبل أيام، أن “ليبيا ملزمة قانونياً تسليم سيف الإسلام القذافي نجل الرئيس الليبي السابق لمحكمة الجنايات الدولية”. وأضافت المنظمة في تقريرها عن أحداث 2022، أن “القذافي الابن، مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية منذ 2011، وما زال هارباً، وعلى السلطات الليبية ضرورة تسليمه فوراً إلى لاهاي”.

التعليقات معطلة.