يتوجّه وفد إسرائيلي غداً الثلثاء إلى مصر، في محاولة لدعم المفاوضات بشأن اتفاق تبادل الأسرى مع حركة “حماس”، بالتزامن مع الإعلام عن تحرير اثنين منهم ومقتل ثلاثة آخرين.
ونقل موقع “أكسيوس” الإخباري الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنّه من المتوقع أن يضم الوفد الإسرائيلي رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) ديفيد برنيع، ومدير جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) رونين بار، وممثل الجيش الإسرائيلي في المفاوضات الجنرال نيتسان ألون.
كما يتوقع، بحسب المصادر ذاتها، أن يشارك في المفاوضات مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز، ورئيس جهاز المخابرات المصرية عباس كامل، والوسيط القطري.
يشار إلى أنّ “حماس” وإسرائيل توصلتا إلى هدنة موقتة بوساطة قطرية مصرية أميركية في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي استمرت أسبوعاً، وجرى خلالها تبادل أسرى وإدخال مساعدات إنسانية محدودة إلى غزة.
وتجددت المساعي للتوصل إلى صفقة جديدة أواخر الشهر الماضي، إذ عقدت اجتماعات في باريس أسفرت عن مقترحات لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وسلّمت إلى “حماس” لدراستها.
وردّت الحركة الفلسطينية بشكل إيجابي، مقدّمة مجموعة من المقترحات لوقف الحرب وتبادل الأسرى، إلا أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضها بشكل قاطع.
تحرير أسيرين ومقتل ثلاثة
وفي حين أعلنت الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة أنّها تمكّنت من الإفراج ليل الأحد الاثنين عن أسيرين خطفهما مقاتلو “حماس” خلال عمليّة في رفح، قالت الحركة إنّ “المحتجزين الإسرائيليين لم يكونا بحوزتها.
ولاحقاً أعلن الناطق باسم “حماس” أبو عبيدة “مقتل 3 من المحتجزين الإسرائيليين الثمانية الذين أعلنا أمس عن إصابتهم بجروح خطيرة في غارات للاحتلال”.
وأفادت وزارة الصحة في حكومة “حماس” بأنّ العملية أدت إلى سقوط “نحو مئة شهيد”.
وأكد نتانياهو مواصلة الهجوم العسكري المستمر منذ أربعة أشهر في غزة وأمر الجيش الأسبوع الماضي بالاعداد لهجوم في رفح.
وقال نتانياهو الإثنين إن “الضغط العسكري المتواصل” هو الذي “سيؤدي إلى إطلاق سراح جميع الرهائن”، مؤكدا أنه سيقضي على “حماس” التي تعد رفح “آخر معقل لها”، في حين وصف المفوض السامي لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة احتمال شن هجوم بري على المدينة المكتظة بالسكان بأنه “امر مرعب”
وقالت الأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية إنّه خلال عمليّة ليليّة في رفح مشتركة بين الجيش والشين بيت (الأمن الداخلي) والشرطة الإسرائيليّة تمّت استعادة الرهينتين الإسرائيليَّين فرناندو سيمون مارمان (60 عاماً) ولويس هار (70 عاماً) اللذين أسرتهما “حماس” في 7 تشرين الأوّل (أكتوبر) من كيبوتس نير يتسحاق. وأضافت في بيان إنهما بخير. ويحمل الأسيران الجنسيتين الإسرائيلية والأرجنتينية.
في قطاع غزة، أعلنت وزارة الصحة التابعة لـ”حماس” سقوط “نحو مئة شهيد غالبيتهم اطفال ونساء” في القصف الليلي على رفح. وسُمعت “عشرات الضربات” التي كانت أكثر كثافة بكثير من تلك التي شهدتها المدينة المحاذية لمصر خلال الأيام الماضية.
ليلة مرعبة في رفح
تحدث أهالي رفح عن الرعب الذي عاشوه خلال الليل. وقال أبو صهيب الذي كان نائما في منزل يبعد عشرات الأمتار من الموقع الذي طاله القصف الإسرائيلي “سمعنا أصوات انفجارات قوية… شعرنا كأن جهنم قد نزلت علينا … سمعنا هدير المروحيات الحربية التي كانت تطلق النار … كان اطلاق النار كثيفا جدا، كما لو أننا في معركة كبيرة … كما شاهدنا مروحية تهبط في المكان”.
ويقع المنزل الذي كان الأسيران محتجزين فيه في مبنى مكون من أربعة طوابق. وقال شهود عيان إن القصف حوّل خمس بنايات ومنازل بجانب المنزل إلى أكوام من الركام. وأضافوا أن المنزل كان خالياً من سكانه الذي أخلونه قبل شهرين بعد تحذير من الجيش بقصفه.
وبعد ليلة من القصف الذي خلف حفراً هائلة، كان الأهالي يبحثون عن ناجين بين الأنقاض، يلازمهم شعور بالرعب من احتمال شن هجوم بري على المدينة التي هم الآن محاصرون فيها فيما الحدود مغلقة مع مصر.
وخوفا من هجوم بري، بدأت عشرات العائلات الإثنين بالنزوح مع أمتعتها القليلة. وقال علاء محمد (42 عاما) الذي كان يعتزم التوجه نحو دير البلح وسط القطاع: “كانت ليلة مرعبة. ما حدث الليلة ينذر بحدوث شيء كبير في رفح، يبدو أن الجيش الإسرائيلي سيدخل رفح كما أعلنوا”.
وأضاف: “لم ننم الليل، منذ الفجر بدأنا بتوضيب أغراضنا… كثير من العائلات فككت خيامها مثلنا، أتمنى أن نجد سيارة أو شاحنة، اتصلنا بأكثر من سائق نعرفهم لكن جميعهم مشغولون”.
الوقت ينفد
ونُقل الأسيران جوا إلى مستشفى شيبا في رمات غان بالقرب من تل أبيب. وقال إيدان بيجيرانو، صهر لويس هار، أمام المستشفى: “رأيناهما … كان هناك الكثير من الدموع والأحضان والقليل من الكلام… نحن سعداء لكنها مجرد خطوة أخرى نحو عودة” الأسرى الذين ما زالوا محتجزين في غزة، مكررا بذلك موقف الأسر التي تضغط على الحكومة لقبول اتفاق هدنة جديد مع “حماس”.
وتقدر إسرائيل أن نحو 130 أسيراً ما زالوا محتجزين في غزة، من بينهم 29 يعتقد أنهم لقوا حتفهم. وسمحت الهدنة التي استمرت أسبوعا في تشرين الثاني (نوفمبر) بإطلاق سراح 105 أسرى مقابل 240 معتقلا فلسطينيا من السجون الإسرائيلية.
وقبل تحرير الأسيرين، كانت إسرائيل تقول إنّ نحو 132 بينهم ما زالوا محتجزين في غزّة، و29 منهم على الأقلّ يُعتقد أنّهم قُتلوا، حسب أرقام صادرة عن مكتب نتانياهو.
وحذّرت حماس الأحد من أنّ عمليّة عسكريّة إسرائيليّة في رفح في أقصى جنوب غزّة إلى حيث لجأ نحو نصف سكان القطاع من المناطق الأخرى المدمرة، ستنسف احتمال إطلاق الأسرى المُحتجزين في القطاع الفلسطيني المحاصر.
وحضّ الرئيس الأميركي جو بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي على “ضمان” سلامة المدنيين قبل شن هجوم بري، فيما دعت لندن إلى “التفكير جديا” في الأمر قبل تنفيذ عملية واسعة النطاق.
وتعهّد نتانياهو بتوفير “ممر آمن” للمدنيّين قبل تنفيذ عمليّة عسكريّة في رفح، وسط تحذيرات دوليّة من “كارثة إنسانيّة”.
وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي: “هذه الحرب يمكن أن تنتهي بسرعة، من دون مزيد من المعاناة، إذا استسلمت حماس على الفور وألقت سلاحها، وأطلقت سراح الرهائن وسلمت مجرمي الحرب لديها لمحاكمتهم”.
“لا مكان يذهبون إليه“
وحذّر مسؤول أميركي كبير من أنه “في ظل الظروف الحالية، لا تستطيع واشنطن تأييد عملية عسكرية في رفح بسبب الاكتظاظ السكاني”، مشددا على أن السكان “لا مكان لديهم يذهبون إليه”.
وقال المفوض السامي فولكر تورك إنّ “أي توغل عسكري محتمل واسع النطاق في رفح، حيث يتجمع نحو 1,5 مليون فلسطيني على الحدود المصرية من دون أن يتوافر لهم أي مكان آخر يفرون إليه، أمر مرعب، نظراً لاحتمال سقوط عدد كبير جداً من القتلى والجرحى المدنيين، وهنا أيضاً معظمهم من الأطفال والنساء”.
وفر بحسب الأمم المتحدة نحو 1,7 مليون شخص من إجمالي 2,4 مليون نسمة منذ اندلاع الحرب وتدمير أحياء وبلدات بأكملها في القطاع الغارق في أزمة إنسانية كبرى. وقد نزح العديد منهم عدة مرات، وفروا إلى الجنوب مع توسع القتال.
ورفح التي تحولت إلى مخيم ضخم، هي آخر مدينة لم ينفذ فيها الجيش الإسرائيلي بعد هجوماً برياً، كما أنها نقطة الدخول الرئيسية للمساعدات الإنسانية الشحيحة التي لا تكفي لتلبية احتياجات السكان المهددين في ظل البرد بالمجاعة والأوبئة.
وأفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للامم المتحدة الاثنين إن سكان قطاع غزة يعانون مستويات “غير مسبوقة” من “ظروف تحاكي المجاعة”. ويواجه حوالى 550 ألف شخص مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي.