وقفة تأمل ومراجعة أمام المغامرة الأميركية في العراق

1

 

احمد صبري

من المناسب ونحن نستعيد الأجواء والتحضيرات التي رافقت غزو العراق الذي يصاف اليوم التاسع عشر من مارس/آذار 2003 نتوقف عند حملة التضليل والتحريض التي مهدت للغزو وصولا إلى احتلال العراق في التاسع من نيسان/ أبريل2003م.
وقبل الشروع بالصفحة العسكرية بأيام رفضت القيادة العراقية الإنذار الأميركي بتنحي الرئيس صدام حسين وولديه عن السلطة، ومهدت إدارة بوش الابن للخيار العسكري بشهادة لوزير الخارجية الأميركي حينذاك كولن باول أمام مجلس الأمن أكد فيها امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.
والسؤال: لماذا جاءت الولايات المتحدة إلى العراق؟ وهل حولته إلى واحة للديمقراطية والرخاء ونموذجا يحتذى به في الشرق الأوسط؟ ونزيد بعد 16 عاما على المغامرة الأميركية كيف يبدو المشهد في العراق ومن هم الرابحون والخاسرون؟
هذه الأسئلة وغيرها أصبحت إجابتها معروفة وواضحة للعيان من فرط ما أحدثه الاحتلال من كوارث تتراكم من عام إلى آخر حولت العراق إلى واحة للفساد والفشل، وبؤرة طاردة للتغيير بعد أن تسيد على إدارته طبقة سياسية فشلت في تلبية تطلعات العراقيين بالأمن والرخاء والعيش بسلام.
وطبقا للتوصيف الذي وضع العراق في خانق لا يمكن الخروج منه فإن خيار العمل العسكري هو الخيار الوحيد لإدارة بوش لتغيير النظام فيه وإعادة إنتاج نظام جديد على وفق الرؤية الأميركية/ ديمقراطي يتمتع شعبه بالحرية والعدالة، فضلا عن تسويقه كنموذج للديمقراطية والتعايش السلمي في المنطقة عموما.
والأخطر من كل ما جرى ويجري هو أن الغزو والاحتلال وفشل المشروع الأميركي في العراق ساعد في ظهور ظاهرة التطرف الأعمى الذي أدخل العالم في أتون صراعات لم تنتهِ حتى الآن.
وهنا نتوقف عند المتحقق في عملية احتلال العراق .. ومن هم الرابحون والخاسرون في هذه المغامرة الكارثية؟
ابتداء، إن الرابح الأكبر في ما جرى هو إسرائيل، حيث خرج العراق من معادلة الصراع معها من دون حروب، كما أن الرابحين كثر، لا سيما قوى إقليمية استثمرت تداعيات احتلال العراق بإعادة تموضعها من جديد على ضوء ما جاء به الاحتلال لنظام جديد تمتد جذوره وعلاقاته ببعض هذه القوى، ما أعاد رسم خريطة التحالفات من جديد وعلاقته بتوازن الصراع بالمنطقة.
إن الذي بات يؤرق وينغص حياة المتورطين في المغامرة الأميركية ومن ساعدها في حملة التحريض على العراق يقولون: لماذا ذهبنا إلى العراق؟ وما ثمن تلك المغامرة؟ وهل كسبت واشنطن قلوب العراقيين كما ادعى صقورها بغزوها لبلادهم وتخليصهم من (نظام ديكتاتوري) ووضعهم على سكة الحرية والديمقراطية والازدهار الاقتصادي والإعمار والتنمية والسلم الاجتماعي؟
من هنا جاءت شهادات بعض من كان يعمل ضمن إدارة بوش الابن، ويحرض على غزو العراق، وأولى هذه الشهادات كانت من وزير الخارجية الأميركي كولن باول الذي عبر عن أسفه واعتذاره للحرب على العراق ومشاركته بحملة التحريض علىه بمزاعم امتلاكه أسلحة محظورة وخطيرة، كما أن شهادة مدير وكالة المخابرات الأميركية جورج تينت هي الأخرى كشفت حملة التضليل ضد العراق وتصميم بوش الابن وعلى الغزو، حيث نفى تنث امتلاك العراق أسلحة محظورة، وهو ما نفاه أيضا محمد البرادعي.
هذه الشهادات وغيرها وضعت إدارة بوش الابن ومن سانده وحرضه على الذهاب إلى العراق أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية عن عمل هو بالأحوال كأنه يتنافى مع القانون الدولي وسيادة الدولة، وأيضا يتقاطع مع شرعة الأمم المتحدة؛ لأن المغامرة كانت أحادية ورغبة في تدمير بلد وليس تخليصه من نظام خطير يمتلك أسلحة كانت تهدد أميركا والعالم كما زعموا.
ونخلص أن الخاسر الأكبر في المغامرة الأميركية هو العراق بكل ألوانه وطوائفه؛ لأن الاحتلال أنتج نظاما سياسيا هجينا ليس له علاقة بحاجات وتطلعات العراقيين بوطن تسوده الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وخالٍ من إرهاصات الثأر والانتقام وإقصاء الآخرين والتشبث بالسلطة.

التعليقات معطلة.