موفق عادل عمر
حصل الدكتور موفق عادل عمر على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة غازي في أنقرة. وهو يعلم حاليا في جامعة صلاح الدين.
على الرغم من كون التركمان مكون أساسي من مكونات العراق إلا انه لم يحصل على حقوقها المشروعة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة. فحتى سقوط نظام البعث في العراق كان التركمان مهمشون وتعرضت أماكن سكناهم إلى التهميش والتعريب بصورة ممنهجة. وحتى بعد أن ابتهج التركمان وأصبح لديهم أمل في المستقبل بعد سقوط النظام البعثي في عام 2003، استمر تهميشهم من قبل الحكومات المتعاقبة. لذا عند دراسة الحالة التركمانية في العراق يجب علينا الوقوف عند الأحزاب التركمانية الموجودة على الساحة العراقية ونبحث عن أسباب فشل تلك الأحزاب من تحقيق مصالح وتطلعات شعوبهم.
تنقسم الأحزاب التركمانية إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية. الأولى مجموعة أحزاب تركمانية مؤسسة من قبل الأحزاب الشيعية العراقية، وتتمتع بدعم إيراني غير مباشر. ويعتبر التركمان الشيعة الذين يقطنون المناطق المتنازع عليها ومدن العراق الأخرى هدفا لهذه المجموعة من الأحزاب التركمانية. وبالفعل نجحت هذه الحملة بالاستيلاء على أصوات التركمان الشيعة لصالح الأحزاب الشيعية التي دعمت تأسيس تلك الأحزاب. لذا نستطيع القول أن نسبة كبيرة من التركمان الشيعة يدعمون هذه الأحزاب التركمانية لاعتبارات مذهبية. المجموعة الثانية من الأحزاب التركمانية تتمثل في الأحزاب التركمانية التي تأسست بدعم مباشر وإسناد الأحزاب الكردية في إقليم كوردستان، وذلك مقابل الدعم السياسي. المجموعة الثالثة تتكون من الجبهة التركمانية العراقية والتي يتم دعمها من قبل تركيا، والتي تتمتع بقاعدة جماهيرية تعتبر الأكثر والأقوى والأوسع في عموم العراق. لهذا نستطيع أن نقول بان ولاء المجموعة الأولى والثانية من الأحزاب التركمانية هي للجهات التي أسستها وتؤيدها، إلا أن ولاء الجبهة التركمانية هي للعراق الموحد على الرغم من الدعم المقدم لها من قبل تركيا.
التركمان منقسمين ما بين المذهب السني والشيعي، وقد قامت الأحزاب الشيعية بتأسيس وتمويل الأحزاب التركمانية الشيعية من اجل كسب أصوات التركمان الشيعة. فمثلا يوجد نواب تركمان من المكون الشيعي من التيار الصدري، والمجلس الأعلى الإسلامي وحزب الدعوة الإسلامي في مجلس النواب العراقي. مقابل هذا، يوجد شخصيات تركمانية سنية تم استغلالها من قبل الأحزاب والتيارات السنية. وفي إقليم كوردستان قامت الأحزاب الكردية وخصوصا الحزب الديمقراطي الكردستاني بتأسيس أحزاب تركمانية موالية لها باسم التركمان. فمثلا من مجموع 5 مقاعد مخصصة للتركمان في برلمان كوردستان، أربعة منهم هم من الأسماء المقربة للأحزاب الكردية. بالإضافة إلى ذلك فان المشاركة التركمانية في حكومة إقليم كوردستان محددة بأشخاص مقربين من الأحزاب الكردية.
وهناك أيضا الجبهة التركمانية والتي تعتبر من أكبر الأحزاب التركمانية العراقية، حيث تم تأسيسها في أربيل عام 1997 من اجل توحيد الصوت التركماني وكانت مكونة من عدة أحزاب تركمانية مدعومة تركياً. ولكن بعد عام 2003 انتقل المقر العام للجبهة التركمانية إلى محافظة كركوك، وأصبحت ممثلا للتركمان السنة في محافظة كركوك حصرا. الدعم التركي الرسمي للجبهة التركمانية مستمر حتى الأن، ومع ذلك فشل هذا الدعم في جعل الجبهة التركمانية ممثلا حقيقيا للتركمان في العراق.
وعوضاً عن توحيد الخطاب القومي التركماني في عموم العراق، شجعت الجبهة التركمانية وبصورة غير مباشرة مبدأ التفرقة ما بين تركمان المناطق المختلفة في العراق، فمنذ عام 2003، تولى رئاسة الجبهة التركمانية أشخاص من تركمان كركوك فقط. كما أن مدينة تلعفر التي يسكن فيها ما يقارب 350 ألف تركماني، لم تُمثل في الجبهة التركمانية بالشكل الذي تستحقه. وتعتبر تلعفر من أكثر المدن التركمانية العراقية التي تضررت جراء الحرب والصراع المذهبي. ولكن مع هذا، لم تستطيع الجبهة التركمانية توحيد التركمان تحت مظلتها لتبعدها عن الصراع الطائفي، وهو ما دفع العديد من التركمان السنة للانخراط في صفوف تنظيم القاعدة وداعش. وخير مثال على ذلك هو أبو مسلم التركماني الذي كان أحد مساعدي أبو بكر البغدادي، هو تركماني سني من مدينة تلعفر.
منذ تأسيس الجبهة وحتى الأن لم تستطيع الجبهة التركمانية تكوين قيادة تركمانية جامعة وقادرة على تمثيل المكون التركماني في العراق. بل على العكس من ذلك كلما تغير رئيس الجبهة انسحب من الجبهة أما مؤسسا حزبا مستقلا عن الجبهة أو انسحب بالكامل من الحياة السياسية أو اتهم بالخيانة من قبل قيادة الجبهة التي تأتى بعده.
الجبهة التركمانية منذ تأسيسها قد أسندت إليها تهمة العمالة لتركيا. هذه التهمة الموجهة للجبهة مبالغ فيها ولا تستند إلى حقائق وأدلة ملموسة. صحيح الجبهة حصلت على دعم مباشر من أنقرة ولكن هذا لا يجعلها جهة عميلة لدولة أجنبية، فالرابط القوي ما بين الجبهة التركمانية وتركيا يرتكز على أساس عرقي بحت، مما يضمن وجود علاقة قوية وثيقة بين الجانبين. إضافة إلى ذلك يجب علينا لا ننسى التعاطف التركي على المستوى الشعبي مع تركمان العراق وخصوصا مدينة كركوك والذي نتج عنه ضغوطات على الحكومات التركية المتعاقبة من اجل تقديم المساعدات لتركمان العراق. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الدعم، لم تتمكن الجبهة التركمانية من تثبيت نفسها كقوة سياسية مؤثرة وممثلة للتركمان العراقيين.
نستطيع القول من أن معظم الأحزاب التركمانية الموجودة في العراق بصورة عامة وإقليم كوردستان بصورة خاصة لا يمثلون التركمان بصورة حقيقية، إذ أن الأحزاب التركمانية الحالية لم تؤسس من قبل الجماهير التركمانية، بل هم مجرد واجهات يتم استخدامهم من قبل الأحزاب العراقية والكردية الأخرى لاستغلال الشعب التركماني وتفتيته.